
من منابر المساجد إلى ساحات الاعتصام، وصولاً إلى برامج التحليل السياسي التي تتردد فيها صيحات «الموت لإسرائيل»، استمر الإخوان في ممارسة هوايتهم المفضلة في رفع الشعارات الجذابة، وتوزيع صكوك التخوين على كل من تجرأ على الاقتراب من إسرائيل.
وكشف الدكتور محمد عبود، أستاذ الدراسات الإسرائيلية واللغة العبرية بجامعة عين شمس، لـ«بوابة مولانا» عن الوجه الخفي لجماعة الإخوان في إسرائيل، مؤكدًا أن علاقتهم بالقضية الفلسطينية لم تكن وليدة اللحظة، بل بدأت ملامح هذا الارتباط منذ عام 1945، حينما انطلقت أنشطة دعوية محدودة في الأراضي الفلسطينية، ومع ذلك، بدأ الانخراط المنظم والعلني في الشأن الفلسطيني، وتحديدًا داخل المجتمع العربي بإسرائيل، في سبعينيات القرن الماضي، عبر شخصية تُدعى «عبدالله نمر درويش»، الذي أسس هذه الجماعة داخل الخط الأخضر.
ممكن يعجبك: «مقربون من نتنياهو يكشفون خطط احتلال غزة وفقاً لتقارير يديعوت أحرونوت»
وبحسب «عبود»، نجح درويش، عبر تنسيق مباشر مع جماعة الإخوان في مصر (مكتب الإرشاد حينها)، في تأسيس فرع آخر داخل أراضي 1948، بين عرب 48 (وهم الفلسطينيون الذين لم يُهجّروا عند قيام دولة الاحتلال، وتمت معاملتهم كمواطنين إسرائيليين لاحقًا).
موافقة رسمية ودور أمني خفي
وفقًا لـ«عبود»، فإن تأسيس أي حركة سياسية أو دينية في الداخل الإسرائيلي لا يتم دون المرور عبر قنوات الأمن القومي الإسرائيلي، لاسيما الشاباك (الأمن الداخلي) والموساد (الاستخبارات الخارجية)، وهو ما حدث بالفعل عند إنشاء هذه الجماعة.
حصلت جماعة «الإخوان المسلمين» في إسرائيل على موافقة رسمية من السلطات الإسرائيلية، خصوصًا أنها بدأت نشاطها تحت مظلة العمل الدعوي والاجتماعي، مثل رعاية الأيتام، وتقديم مساعدات في القرى المهمشة، وبناء المساجد، والعمل الخيري داخل بلدات عربية مثل الناصرة، أم الفحم، الطيبة، حيفا، يافا، عكا، وبئر السبع (النقب).
وأوضح أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة عين شمس، أن هذه الموافقة الإسرائيلية لم تكن «كرمًا سياسيًا»، بل جاءت في سياق سياسة ضبط الداخل العربي، حيث رأت تل أبيب أن وجود جماعة دينية ذات خطاب اجتماعي سيكون أداة تهدئة داخل المجتمعات العربية المحرومة من الخدمات، مما يقي الحكومة الإسرائيلية من انفجارات اجتماعية بسبب التمييز العنصري المستمر ضد العرب في مجالات مثل التعليم، الصحة، الإسكان، والتوظيف.
وأضاف أن التحوّل السياسي للجماعة الإسلامية في إسرائيل بدأ بشكل تدريجي، حيث كان أول اختبار سياسي لهم خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، لكنه بلغ ذروته في الانتفاضة الثانية عام 2000.
كما أن قنوات الاتصال بين حماس وهذه الجماعة- وفق عبود- بدأت عندما لعبت دور وساطة بين الاحتلال الإسرائيلي وكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس بعد حادثة اختطاف الجندي الإسرائيلي نخشون مردخاي فاكسمان عام 1994.
وأشار عبود إلى أن نجاح هذه الوساطة منح جماعة الإخوان داخل إسرائيل مكافأة سياسية ضخمة، تمثلت في السماح لهم بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية (الكنيست) عام 1996، موضحًا أنه منذ تلك اللحظة، دخل نواب الجماعة إلى الكنيست، ليصبحوا جزءًا من النظام السياسي الإسرائيلي بشكل رسمي.
شوف كمان: زعيم كوريا الشمالية يحيي ذكرى الهدنة مع سيئول ويشيد بجهود الصين في السلام
منصور عباس.. الإخواني الذي شرعن «يهودية الدولة»
من أبرز وجوه هذه الجماعة اليوم هو منصور عباس، زعيم الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية، الذي أصبح لاحقًا رئيس لقائمة «العربية الموحدة»، والتي دخلت في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي عام 2021 بقيادة نفتالي بينيت، أحد أكثر الساسة تطرفًا، والمعروف بدعوته لهدم المسجد الأقصى وبناء «الهيكل المزعوم» مكانه، بحسب ما كشفه «عبود» لـ«بوابة مولانا».
وأوضح «عبود» أن الأخطر من المشاركة السياسية، كان تصريح منصور عباس العلني بأن إسرائيل «دولة يهودية وستبقى كذلك»، وهو ما أثار غضبًا واسعًا في الشارع العربي داخل الخط الأخضر، واعتُبر طعنة لحقوق عرب 48 الذين يناضلون من أجل المساواة والعدالة داخل دولة تصف نفسها «بالديمقراطية»، لكنها في الحقيقة تؤسس لدولة عِرقية يهودية.
الجناح الشمالي لجماعة الإخوان بإسرائيل كشف عن بوصلته الحقيقة
مقابل الجناح الجنوبي الذي تبنى خطًا براجماتيًا وتحالفيًا مع الاحتلال، كان هناك الجناح الشمالي للحركة الإسلامية، بقيادة شخصيات دينية مثل رائد صلاح، وكمال الخطيب، اللذين رفعوا لواء الدفاع عن المسجد الأقصى ورفض الشرعية الإسرائيلية، وظل هذا الجناح على تواصل مع حركة حماس، ورفض دخول الكنيست أو الاعتراف بشرعية «الدولة اليهودية»، مما جعله عرضة للحظر السياسي الكامل عام 2015.
لكن رغم شعاراته الراديكالية، لم يتمكن الجناح الشمالي من تحقيق إنجازات حقيقية أو إحداث تغيير جذري في القضية الفلسطينية، ما دفع مراقبين لاعتباره تيارًا احتجاجيًا رمزيًا أكثر من كونه فاعلًا سياسيًا منتجًا.
وذكر «عبود» أنه بعد تظاهر رائد صلاح وكمال الخطيب أمام السفارة المصرية في تل أبيب، للمطالبة بفتح معبر رفح، عصفت بكل الشعارات التي تتبناها هذه الجماعة، مؤكدًا أن العدو الصهيوني المغتصِب تحول إلى شريك في العملية الديمقراطية، وصار الكنيست، الذي طالما لعنوه في خطبهم، منصةً للنضال باسم القضية الفلسطينية، لذلك يرون أنه لا بأس من دعم حكومة يمينية متطرفة، طالما أن المقابل مقعد إضافي، أو وعد غامض بمخصصات لبلدية هنا أو هناك، سواء كان الجناح الشمالي المحظور أو الجناح الجنوبي المعترف به.
حماس والإخوان وإسرائيل
تؤكد تحليلات متعددة، من بينها ما يتردد في الأوساط البحثية الإسرائيلية- وفق عبود- أن التواصل قائم بين حركة حماس والجناح الجنوبي للحركة الإسلامية، ففي أعقاب عملية السابع من أكتوبر 2023، عرض منصور عباس الوساطة لوقف الحرب والإفراج عن الأسرى، لكنه في الوقت ذاته دان الهجمات التي نفذتها حماس، ما أثار استغرابًا من انتقاد طرفين ينتميان لجذرٍ أيديولوجي واحد.
وترى إسرائيل، بالمقابل، أن الوساطة الإخوانية غير مقبولة، لأنها تعتبر حماس والحركة الإسلامية في إسرائيل وجهين لعملة واحدة، يخدمان في النهاية تنظيم الإخوان الدولي.
وشدد محمد عبود على أن التحركات أمام السفارات المصرية «تخدم أجندة إسرائيلية – إخوانية مشتركة»، تسعى لتفجير العلاقة بين مصر والفلسطينيين، لاسيما أن الاحتلال ينظر إلى القاهرة على أنها الحاجز الحقيقي أمام مخططات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
الإخوان «صك غفران» للاحتلال
وأكد «عبود» أن إسرائيل استخدمت الجماعة الإسلامية كورقة ضغط داخلية، ثم كأداة تجميل خارجية في المحافل الدولية لتأكيد زيف مزاعم «ديمقراطيتها»، بدليل وجود «نواب عرب» داخل كنيستها، رغم أن الواقع يقول إنهم مجرد واجهة شكلية لا تملك القدرة على تغيير البنية التمييزية للنظام الإسرائيلي، مضيفًا أن «مشاركة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية الإسرائيلية ليست سوى «ورقة توت تحاول إسرائيل من خلالها ستر عوراتها».
الإخوان وقود لحروب الجيل الرابع والخامس ضد مصر
بحسب رؤية اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجي، فإن العالم بات يعيش واقعًا جديدًا من الحروب المعقدة، يُعرف بحروب الجيلين الرابع والخامس، مشيرًا إلى أن الحروب لم تعد، كما كانت سابقًا المتمثلة بدبابة ضد دبابة، أو مدفع ضد آخر.
وشرح «فرج» لـ «بوابة مولانا» أن هذه الحروب لم تعد تستهدف الجيوش مباشرة، بل باتت الدول تضع استراتيجياتها في إطار حروب الجيل الرابع، مركزة هجماتها على الشعوب نفسها، من خلال زعزعة ثقتهم في أوطانهم، وحكوماتهم، وقياداتهم، ومحاولة إحداث فجوة بينهم وبين جيوشهم.
ويُستخدم في ذلك أدوات التكنولوجيا الحديثة، ويتطور الهجوم في مراحل لاحقة ليأخذ شكل حروب الجيل الخامس، التي تعتمد بشكل أساسي على منصات التواصل الاجتماعي، يليها الإعلام التقليدي.
وقال اللواء سمير فرج إن مظاهرات جماعة الإخوان أمام السفارات المصرية حول العالم ليست إلا جزءًا من خطة «خبيثة» و«مدبرة»، نُسّقت مسبقًا بهدف ضرب الدولة المصرية وتشويه صورتها في الخارج، مؤكدًا أن خليل الحية ليس سوى «أداة رخيصة» في يد التنظيم الإرهابي، يُحركه لتنفيذ أجندات تخريبية تخدم مصالح قوى معادية، تستخدم الجماعة كستار لزرع الفوضى والتحريض ضد مؤسسات الدولة.
من 48 لـ 2025 إلى آخر الزمان.. مصر حاضرة في قلب القضية الفلسطينية
شدد فرج على أن مصر كانت ولا تزال في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الجيش المصري هو من خاض معركة الدفاع عن فلسطين في عام 1948، وقدم فيها شهداء من أجل نصرة الشعب الفلسطيني.
وأوضح أن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، كان أول من احتضن ياسر عرفات وقدم منظمة التحرير الفلسطينية إلى العالم ككيان شرعي يمثل تطلعات الشعب الفلسطيني، مشددًا على أن مصر لعبت دورًا محوريًا في دعم القضية على كافة المستويات، السياسية والعسكرية والدبلوماسية.
وأضاف أن الرئيس الراحل أنور السادات، حين دعا الفلسطينيين إلى الانضمام إلى مفاوضات «مينا هاوس»، كان يسعى لمنحهم فرصة تاريخية للحصول على حكم ذاتي حقيقي، إلا أن الرفض آنذاك أضاع فرصة ثمينة ما زالت تداعياتها قائمة حتى اليوم.
وأكد اللواء سمير فرج في تصريحه لـ «بوابة مولانا»: «لا يحق لأحد أن يزايد على الدور المصري، لا في الماضي ولا في الحاضر، فمصر دفعت الدم، وقدّمت القيادة، وحملت على عاتقها مسؤولية الدفاع عن فلسطين، وبذلت الدبلوماسية من أجلها عندما تخلّى عنها الجميع»
خطاب إعلامي مصري بمواجهة السرديات العبرية والغربية
وفيما يتعلق بدور الصحافة والإعلام المصري في مواجهة السرديات الغربية والعبرية التي تستهدف مصر، أكد «فرج» أن وسائل الإعلام المحلية، وعلى رأسها صحيفة «بوابة مولانا»، لعبت دورًا محوريًا في تفنيد تلك الروايات المضللة.
وأضاف أن الصحافة المصرية أظهرت قدرًا عاليًا من المهنية والوعي الوطني في التصدي للهجمات الإعلامية الممنهجة، عبر تقديم محتوى تحليلي موثّق يُبرز الحقائق ويكشف التناقضات في الطرح الغربي، لافتًا إلى أن هذا الخطاب الإعلامي المضاد لم يكن فقط ردًا دفاعيًا، بل مبادرة «ذكية» من الإعلام المصري، لإعادة تشكيل الرأي العام وإبراز الرواية المصرية بثقة وموضوعية، مطالبًا بالاستمرار في هذا النهج للحفاظ على الوعي العام لدى الشعب.
التعليقات