رسوم ترامب تؤثر على استراتيجية الصين +1.. هل تنسحب بكين من مصانعها العالمية؟

تواجه الشركات الصينية تحديات متزايدة في تنفيذ استراتيجية “الصين +1” التي تهدف إلى توسيع نطاق المصانع عالميًا وتنويع مواقع التصنيع، مما يمكّنها من الوصول إلى السوق الأمريكي بشكل غير مباشر.

هذا التوجه تعرض لانتكاسة كبيرة بعد إعلان الولايات المتحدة عن فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات القادمة من دول جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى تطبيق رسوم إضافية على البضائع الصينية التي تُعاد تصديرها عبر دول أخرى.

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة فايننشيال تايمز، منذ بداية الحرب التجارية بين واشنطن وبكين في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، سعت العديد من الشركات الصينية إلى إنشاء خطوط إنتاج في دول مثل فيتنام وكمبوديا وإندونيسيا لتفادي الرسوم المفروضة على السلع الصينية، لكن القرارات الأمريكية الأخيرة أعادت خلط الأوراق، حيث تم فرض تعريفة موحدة بنسبة 40% على السلع التي يتم تصديرها من الصين عبر أطراف ثالثة، مما قلص فعالية هذا التحايل الجمركي.

وأظهر تحليل أعدته “لويز لو”، كبيرة الاقتصاديين في “أوكسفورد إيكونوميكس”، أن هذه الإجراءات قد تدفع الشركات إلى التفكير في خيارات أكثر بعدًا جغرافيًا، أو حتى إعادة النظر في توسيع استثماراتها داخل الصين نفسها، خاصة مع ارتفاع تكاليف الانتقال إلى أسواق بديلة.

حصار الرسوم

بينما قامت الولايات المتحدة بتقليص بعض الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية إلى 30%، إلا أنها فرضت في الوقت نفسه رسومًا تراوحت بين 10% و40% على واردات من دول آسيوية أخرى، مما قلل من المكاسب الاقتصادية المتوقعة من نقل الإنتاج إلى هذه الدول.

وقالت لين سيتجيه، من شركة “مينيوان للأحذية” في مقاطعة فوجيان، إن شركتها دشّنت مصنعًا جديدًا في كمبوديا مطلع العام، لكن الرسوم الجديدة أضعفت حجم الطلبات، مشيرة إلى أن العديد من العملاء أصبحوا مترددين في تقديم الطلبات من كمبوديا نتيجة حالة عدم اليقين التي سببتها الإجراءات الأمريكية.

أما ريتشارد لوب، الرئيس التنفيذي لشركة “دراجون سورسينغ” البلجيكية، فقد أشار إلى أن السوق شهد حالة من القلق بعد إعلان الرسوم، بينما قرر العديد من العملاء التريث والاستمرار في التعامل مع الصين حتى تتضح الصورة، مضيفًا أنه عندما تكون الرسوم على المنتجات الصينية 30%، مقابل 20% في المكسيك، فإن الفارق غير كافٍ لاتخاذ قرار بنقل الإنتاج.

وعلى مستوى دول جنوب شرق آسيا، جاءت نسب الرسوم الأمريكية متفاوتة: 10% على سنغافورة، و19% على كمبوديا وإندونيسيا وتايلاند وماليزيا والفلبين، و40% على كل من ميانمار ولاوس، بينما بلغت 20% على فيتنام، التي كانت تُعتبر من أكبر المستفيدين من سياسة “الصين زائد واحد”

في هذا السياق، قالت “فيرا لي” من شركة “كوانزو فيشن” المختصة بالهدايا والإضاءة إن كمبوديا ما زالت تتمتع بميزة نسبية صغيرة، رغم المنافسة المتزايدة من فيتنام.

من جانبه، أشار بريانت تشان، رئيس شركة “وينوود” المتخصصة في تصنيع الألعاب والإلكترونيات في هونغ كونغ، إلى أن شركته بدأت بتحويل جزء من إنتاجها إلى إندونيسيا كوسيلة لتقليل المخاطر، لكنه أكد أن التكاليف أصبحت عبئًا، خاصة مع الحاجة لنقل مزيد من العمليات لتفادي القيود الجمركية على الشحن غير المباشر.

الصناعات المتقدمة

في الصناعات المتقدمة مثل النسيج عالي الجودة، يرى “نافي جها”، أحد الموردين في إقليم تشيجيانغ، أن الصين ستظل متفوقة، مشيرًا إلى أن القدرات التقنية في الدول الأخرى لا تزال بعيدة عن مستوى التصنيع الصيني، حيث قال: “لا توجد منافسة حقيقية، فالجودة الصينية يصعب تقليدها”

بدورها، أكدت “تشاو فن”، التي تمتلك أربعة مصانع ألعاب في مدينة دونغقوان، أنها تشعر بالرضا لبقاء أعمالها داخل الصين رغم الضغوط السابقة، معتبرة أن من قرروا نقل إنتاجهم إلى فيتنام يواجهون الآن تحديات كبيرة من حيث التكلفة والكفاءة.

أما “آدم فازاكرلي”، المدير التشغيلي لشركة “لي ن غو” الأمريكية المتخصصة في الأدوات المنزلية، فقد صرح بأن تجربته مع التصنيع في كمبوديا لم تكن مرضية، مشيرًا إلى فقدان الشركة للمرونة والسرعة في الأداء وسهولة الخدمات اللوجستية، وختم بقوله: “في الطلبات القادمة، سنقارن بين كلفة الرسوم، وإذا لم يكن الفرق كبيرًا، فقد نعود للتصنيع في الصين”

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *