
في ظل تطلعات الرأي العام العالمي والمحلي في إسرائيل، لإنهاء القتال في غزة التي تواجه أزمة إنسانية خانقة، أعلن بنيامين نتنياهو عن خطة احتلال للمدينة، معتقدًا أنها ستساعده في تحقيق أهدافه، إلا أن هذه الخطة تجد دعمًا محدودًا داخل ائتلافه اليميني المتطرف، بينما تواجه معارضة من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والشارع الإسرائيلي، وسط رفض عالمي واسع.
اقرأ كمان: باكستان تستعيد عنصر حرس الحدود الهندي المحتجز بعد الهجوم في كشمير
يسعى نتنياهو من خلال هذه الخطة إلى الحفاظ على ائتلافه الحكومي، لكن العديد من المراقبين يرون أنها قد تؤدي إلى طريق مسدود، وقد يضطر للتراجع عنها تحت ضغط دولي، خاصة مع خطر مقتل باقي الرهائن الإسرائيليين، وزيادة معاناة المدنيين، لكن هذا التراجع قد يتطلب ضغوطًا كبيرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ضوء أخضر أمريكي
رغم عدم إعلان ترامب تأييده لخطة نتنياهو، إلا أنه أشار إلى أن حماس “تشددت” في موقفها بشأن إطلاق سراح الرهائن، وصرح بأن القرار “يعود إلى إسرائيل إلى حد كبير”، مما فسره المحللون كإشارة للمضي قدمًا في الخطة.
وأكد القنصل العام الإسرائيلي السابق في لوس أنجلوس، ياكي ديان، أن “الموقف الإسرائيلي يتوافق بشكل واضح مع الأمريكيين”، مشيرًا إلى أن نتنياهو نسق خططه مع ترامب.
وبحسب تقارير عبرية، فإن الضوء الأخضر الذي حصل عليه نتنياهو من ترامب لتوسيع العملية في غزة، جاء مشروطًا بسرعة التحرك وعدم البقاء لفترات طويلة، مع ضرورة السماح بدخول المساعدات.
ورطة إسرائيلية
قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد: “هذا ما أرادته حماس: تورط إسرائيل على الأرض بلا هدف، دون خطة واضحة للغد، في احتلال غير مجد”، محذرًا من أن هذا قد يؤدي إلى موت الرهائن، ومقتل العديد من الجنود، كما سيكلف دافعي الضرائب الإسرائيليين مليارات، ويؤدي إلى انهيار دبلوماسي.
يرى القادة العسكريون الإسرائيليون أن استمرار الحرب يعود لعدم قدرة الحكومة على استغلال الوضع العسكري دبلوماسيًا، بينما الجيش يواجه أزمة، حيث تم اتخاذ خطوات لتخفيف العبء عن جنود الاحتياط، وتم إلغاء سياسة التمديد التلقائي لخدمة المجندين.
أزمة قائد الجيش الإسرائيلي
حذر ضباط رفيعو المستوى في الجيش الإسرائيلي من أن الاحتلال الكامل سيتطلب عملية برية قد تستمر لعدة أشهر، مع عمليات تمشيط، مما قد يستغرق عامين، ويتطلب مشاركة عدد كبير من الفرق، مما يعني أيام خدمة احتياط كثيرة.
تعتقد القيادة العسكرية أن الجيش منهك بعد خوضه أطول حرب في تاريخه، مع نقص في عدد جنود الاحتياط، الذين يشكلون القوة القتالية الأساسية، كما أن مخزونات الجيش من الذخائر وقطع الغيار آخذة في النفاد، وارتفعت حالات الانتحار بين الجنود المسرحين.
رغم عدم تصريح قائد الجيش إيال زامير برفض خطة الحكومة، إلا أن صحيفة يديعوت أحرونوت أشارت إلى تصاعد الخلاف بينه وبين نتنياهو، حيث يدرس زامير إمكانية الاستقالة إذا ما أُجبر على غزو قطاع غزة بالكامل، ولم ينفِ زامير هذه الأنباء رغم الضغط عليه.
نجل نتنياهو يائير هاجم قائد الجيش، مدعيًا أنه يخطط لانقلاب عسكري، كما حذرت سارة نتنياهو زوجها من تعيين زامير، معتبرة أنه لن يستطيع مواجهة ضغط الإعلام، حيث اقترحت بدلاً منه اللواء ديفيد زيني، الذي عُيّن لاحقًا رئيسًا لجهاز الأمن العام (الشاباك).
تهدف العملية إلى دفع السكان بالقوة إلى الجزء الجنوبي من القطاع، مع محاولة إجبارهم على الهجرة، بينما اقترح زامير تطويق الجيوب الحالية والضغط العسكري عليها من الخارج، مع محاولة استنزاف حماس دون تعريض حياة الرهائن للخطر.
حيلة عدم إعلان جدول زمني
يؤكد المتابعون أن عدم تقديم نتنياهو لجدول زمني لاحتلال غزة كان متعمدًا، حيث يتيح له ذلك التلاعب بمعدل التنفيذ، على أمل أن يظهر حل آخر بالضغط العسكري، خصوصًا مع استمرار دعم زامير من غالبية الضباط.
تشير تقارير إلى أن الخطر على حياة الجنود والرهائن، إلى جانب المواجهة بين رئيس الوزراء ورئيس الأركان، قد يؤثر على الرأي العام ضد نتنياهو، مما قد يدفعه للتراجع عن خطط الاحتلال.
المراقبون الذين يتوقعون فشل خطة نتنياهو استندوا إلى الواقع، فقد تعهد مرارًا بأنه يحتاج فقط لمناورة عسكرية لهزيمة حماس، ففي إبريل/نيسان الماضي، قال إن إسرائيل على بُعد خطوة واحدة من النصر، بشرط السيطرة على رفح، بينما في مارس/آذار، بدأ حملة وعد فيها بالنصر النهائي، ولكن مع عدم تحقيق ذلك، شنّ عملية أوسع في مايو/أيار، مما أدى إلى أزمة إنسانية خانقة.
هدف لا يمكن تحقيقه
يرى المراقبون الإسرائيليون أن نتنياهو يفضل احتياجاته السياسية على حساب تمديد الحرب، متجاوزًا كبار الجنرالات، الذين يرون أن حماس تأثرت بما فيه الكفاية، حيث يدعم نتنياهو آراء حلفائه في الائتلاف اليميني المتطرف، الذين يطالبون باستمرار الحرب حتى تدمير حماس بالكامل.
يؤكد توماس نايدز، السفير الأمريكي الأسبق لدى إسرائيل، أن “نتنياهو وضع لنفسه هدفًا غير قابل للتحقيق، وبالتالي فإن العملية لن تنجح أبدًا، حيث يسعى للقضاء التام على حماس، ولكن عليه ضمان عدم قدرتها على مهاجمة إسرائيل كما فعلت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو ما يبدو أنه تحقق بالفعل”.
مواضيع مشابهة: الجامعة العربية تتخذ خطوات عاجلة لمواجهة مخطط احتلال غزة
يرى بعض الخبراء أن نتنياهو قد يتراجع في وقت ما عن احتلال غزة بالكامل، أو بدء أي عملية جديدة، حيث إن التخطيط لمثل هذه المناورة واستدعاء عدد كافٍ من جنود الاحتياط سيستغرق وقتًا، وقد تُلغى العملية خلال هذه الفترة، وقد تكون مناقشة الاحتلال مجرد تكتيك تفاوضي لإقناع حماس بالاستسلام من دون قتال.
يؤكد ناداف شتراوكلر، المستشار السابق لنتنياهو، أنه “لا أتوقع أن يُكمل نتنياهو مساعيه، فهو يريد اتفاقًا، ومن وجهة نظره، كلما زاد الضغط العسكري على حماس، حصل على شروط تفاوضية أقوى”، لكنه يرى أنه سواء تمت العملية أم لا، فإن التهديد بها منح نتنياهو بعض المساحة للتنفس في الداخل، حيث يبدو أن اليمين المتطرف قد هدأ، على الأقل في الوقت الحالي، بخطة احتلال غزة، رغم غضب أهالي الرهائن من احتمال عدم نجاة ذويهم من الهجوم الإسرائيلي الشامل.
تحول تكتيكي
تمثل هذه الخطة تحولًا تكتيكيًا مهمًا لإسرائيل، حيث أن الجيش قد عمل سابقًا بكثافة في شمال القطاع، بما في ذلك مدينة غزة، وهذه هي المرة الأولى التي يُطلب منه فيها الاحتفاظ بالسيطرة على المدينة، ومن المتوقع أن يستغرق إجلاء سكان مدينة غزة إلى مناطق أخرى حوالي شهرين، وفقًا لمصادر مطلعة على تفاصيل اجتماع مجلس الوزراء.
تُعتبر غزة المدينة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في القطاع، حيث كانت قبل الحرب أكثر ازدحامًا من مدينة نيويورك، مع أكثر من 650 ألف نسمة ضمن مساحتها البالغة 18 ميلاً مربعًا.
سموتريش يرفض الخطة المحدودة
رغم الخسائر العسكرية والدبلوماسية وتهديد حياة الرهائن، قال مصدر مقرب من وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، إن الوزير غير راضٍ عن الاقتراح الذي وافقت عليه حكومة نتنياهو، واصفًا إياه بأنه “عملية محدودة وخطرة، هدفها الوحيد إعادة حماس إلى طاولة المفاوضات، بينما يريد هو احتلالًا كاملًا وشاملاً مع إعادة الاستيطان لقطاع غزة”.
من نفس التصنيف: بريطانيا والسلطة الفلسطينية تتجهان نحو توقيع مذكرة تاريخية لدعم حل الدولتين
التعليقات