
في زمن يتسم بالاضطرابات نتيجة الأزمات الاقتصادية والبيئية والصحية والسياسية، يأتي كتاب «العواصف العالمية وأفريقيا في السياسة الدولية: التحديات المعاصرة والاستجابات ما بعد الاستعمار»، الذي حرره الباحثان غوردن مويو وسابيلو نغلوفو-غاتشيني، ليقدم رؤية فكرية شاملة لدور أفريقيا في فهم هذه التحولات
لا يقتصر الكتاب على تقديم صورة تقليدية للقارة كضحية للاستعمار والتهميش، بل يسعى إلى تحويلها إلى مركز لإعادة التفكير في النظام العالمي وبناء نظام أكثر عدلاً ومساواة، إذ يعتقد المؤلفان أن ما تم اعتباره «تحرراً» بعد عام 1945 لم يكن سوى عملية شكلية، حيث استمرت الهياكل العالمية في تهميش أفريقيا وإبقاء شعوبها في وضع تابع، ومن خلال تحليل نقدي عميق، يكشف الكتاب كيف أن القوى المستمدة من الحقبة الاستعمارية، مثل الرأسمالية العرقية والعلاقات الاقتصادية غير المتكافئة، لا تزال تؤثر بقوة على السياسة الدولية المعاصرة، مما يمنع القارة من تحقيق تنمية حقيقية أو الحصول على موقع متوازن في صناعة القرار العالمي
يتناول الكتاب الأزمات البيئية والصحية والمالية التي تعصف بأفريقيا والعالم، موضحاً أن هذه القضايا مترابطة ضمن نظام عالمي واحد، حيث تتأثر القارات ببعضها البعض، ويقدم الكتاب منظوراً جديداً لتحليل هذه الأزمات من خلال عدسة أفريقية نقدية، مستلهمًا من فكر قادة ومفكرين بارزين مثل كوامي نكروما ووالتر رودني، اللذين دعوا إلى مواجهة الهياكل الاستعمارية والبحث عن نماذج بديلة للتنمية والسيادة
ويؤكد المؤلفان أن أفريقيا تمثل مساحة حيوية لصياغة رؤى جديدة لمستقبل العالم، فالصراع ضد العنصرية والاستغلال والهيمنة السياسية والاقتصادية في القارة يمكن أن يكون أساساً لإعادة تشكيل العلاقات الدولية على أسس أكثر عدلاً، مما يفتح الطريق نحو نظام عالمي أكثر إنصافاً لجميع الشعوب
يتضمن الكتاب عشرين فصلاً، موزعة على محاور فكرية متعددة، تبدأ بمقدمة تحليلية تسلط الضوء على فكرة «العواصف العالمية» من منظور أفريقي، حيث يوضح المحرران كيف شكل الإرث الاستعماري والسياسات النيوليبرالية موقع القارة في النظام العالمي، ثم ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى معالجة أزمة الديون في أفريقيا عبر عدة فصول تناقش هيمنة البنية المالية العالمية وما يسميه المؤلفان «الأبارتايد المالي العالمي»، مع تقديم حلول للسيادة المالية وفهم أعمق لدور الدائنين الدوليين في إعادة إنتاج أزمات التنمية والفقر في القارة
كما يخصص الكتاب محوراً واسعاً للأزمات البيئية والصحية، حيث يكشف مفهوم «الاستعمار المناخي» الذي يجعل أفريقيا تتحمل كلفة التغير المناخي رغم مساهمتها الضئيلة في أسبابه، ويناقش هذا الجزء استغلال الرأسمالية للأزمات البيئية فيما يُعرف ب«رأسمالية الكوارث»، إضافةً إلى الآثار الجسيمة للأزمة المناخية على جنوب القارة الأفريقية، وفي المحور الصحي، يطرح الكتاب قضية «أبارتايد اللقاحات» و«الإمبريالية الطبية» خلال جائحة كوفيد-19، متناولاً ضعف البنى الصحية والاعتماد المفرط على التمويل الخارجي للمشاريع الاقتصادية بعد الجائحة، كما يناقش تأثير الحرب الروسية الأوكرانية والانقلابات العسكرية في أفريقيا على قدرة القارة في صياغة سياساتها بعيداً عن التبعية والتأثر بالأزمات العالمية
يمثل الكتاب دعوة فكرية وأكاديمية للباحثين وصناع القرار لفهم التغيرات الجارية في بنية القوة العالمية من زاوية أفريقية، وهو استشراف لإمكاناتها الكامنة في بناء عالم متعدد الأقطاب، يعترف بالماضي الاستعماري لكنه يتجاوزه نحو مستقبل يحقق العدالة والمساواة الحقيقية بين الأمم
مواضيع مشابهة: “بـ22 مليار دولار” .. “الإسكوا” تكشف عن الدولة العربية الأكثر تأثراً بعقوبات ترامب الجمركية
ممكن يعجبك: رئيس لبنان يؤكد أن الغارات الإسرائيلية تثبت رفض السلام العادل في منطقتنا
التعليقات