أبوجرة يرد على جاب الله ويؤكد وعد الله الجميل للجميع

يقول المولى (جل جلاله) في محكم تنزيله: “لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ” الحديد: 10.

ومعناها: أن الأجر يختلف بين السابق واللاحق، فالسابق له أجر السبق، واللاحق له أجر التكميل، وكلاهما عند الله لهما الحسنى إذا صدقوا حتى ينالوا الثبات على الصدق، ولا ينسوا فضل من سبقهم، وقد وعد الله كليهما بالحسنى.

إن الخوض في مسالك التاريخ يعتبر تحديًا صعبًا، وأحد أسوأ الأمور هو تدخل الصغار في مسيرة الكبار، وخوضهم في ما ليس لهم به علم أو هدى أو كتاب منير.

هذا ما حدث بعد الحلقة الأولى التي أُذيعت على قناة وطنية، حيث تناول الشيخ فيها بدايات تأسيس الدعوة من عام 69 إلى 86، من منظور حركي جديد يستند إلى فكر الإخوان المسلمين (دعوة وتنظيما)، مما أدى إلى تزايد التعليقات والنقد والتجريح.

متابعو الموقع يشاهدون:

وفي رأيي، فإن الأخطاء التي وقع فيها الكثير ممن علقوا على الشيخ في الفضاء الأزرق، تعود إلى أربع جهات رئيسية:

1- الخلط بين الفكرة والتنظيم.

2- الخلط بين السبق بالدعوة الفردية والسبق في تأسيس الجماعة (في الشرق الجزائري وبعض ولايات الجنوب).

3- النظرة الضيقة التي تأخذ السبق (وصناعة التاريخ) من زاوية فردية فقط.

4- عدم التفريق بين من يعتقد الرأي العام أنه “شيخ الإخوان” في مرحلة السرية، وبين من كان “مراقب الإخوان” في تنظيم عالمي تم اختياره بهذه الصفة سنة 1974.

في هذا المدخل المنهجي التمهيدي، لن أرد على ما صرح به الشيخ جاب الله من تفاصيل كثيرة، ولن أوضح ما اعتقده البعض مغالطات أو هجومًا على الشيخ نحناح (رحمه الله) وعلى جماعة البليدة الذين لم يكن لهم وجود قبل سنة 1985 كما ذكر الشيخ جاب الله.

سأكتفي بتسجيل ملاحظتين في الشكل، وأنتظر تتمة كلامه لعل فيها استدراكًا أو تصويبًا، حتى لا أظلم الرجل الذي قضى نصف قرن من عمره بين الحصار والمحراب والزنزانة والأسفار، عانى الحرمان من بعض حقوقه السياسية والمدنية كونه سابقًا بالدعوة في شرق البلاد وبعض مدنها الجنوبية بين سنوات 74 و81، في ظروف كانت الدعوة فيها تعني مواجهة أعاصير المد اليساري ومعارضة النظام القائم.

الملاحظة الأولى تاريخية: إذا كان الشيخ عبد الله قد ابتلي بالسجن سنة 1982 بعد أحداث الجامعة المركزية، فإن الشيخ نحناح (رحمه الله) قد ابتلي بالسجن سنة 1976 بعد حادثة معارضة المد الاشتراكي.

فمن هو السابق من حيث الفكر الشمولي؟ وما هو منطوق الحكم بالسجن على كليهما؟ لنرى أي الشيخين كان الأخطر على منظومة اليسار في ذلك الوقت.

الملاحظة الثانية جغرافية: شهادتي أنني التقيت الشيخ جاب الله لأول مرة سنة 77، وكان الشيخ نحناح في السجن، عن طريق الأستاذ عمر بوستة، وكان انطباعي عنه أنه داعية مشغول بهموم طرد الشيوعية، وأن أولويته كانت تطهير الجامعة من وجودهم، والحمد لله أن التيار الإسلامي قد ارتفع خلال خمس سنوات (77-82) في مجمل جامعات الوطن.

أما اللقاء الأول لي مع الشيخ نحناح (رحمه الله) فكان سنة 82 في باتنة خلال زفاف الشيخ عبد الحميد خزار، بينما كان الشيخ عبد الله في السجن، وكان انطباعي عنه أنه رجل يبحث عن الرواحل، وأولويته كانت بناء أرضية صلبة للدعوة.

استنتجت، رغم عدم إفصاح أي منهما، أن الشيخين زعيمان من الطراز الأول، حيث تقاسما الجغرافية الوطنية، فكان أمر دعوة الإخوان من برج بوعريريج إلى ورقلة موكولًا للشيخ جاب الله، ومن البويرة إلى تلمسان موكولًا للشيخ نحناح.

ولكني اكتشفت سنة 84، خلال خدمتي الوطنية في مدرسة ضباط الاحتياط بالبليدة، أن الأمر لم يكن تقسيم أدوار، بل كان خلافًا تنظيميًا:

– فالشيخ جاب الله كان يدعو إلى عالمية الفكرة وإقليمية التنظيم.

– والشيخ نحناح (رحمه الله) كان يدعو إلى شمولية الفكرة والدعوة والتنظيم بغطاء عالمي.

بعد خروج الشيخ نحناح من السجن في نوفمبر 80، ودخول الشيخ جاب الله السجن شتاء 82، امتدت الحركة العالمية في الفراغات، حيث كانت الطبيعة الدعوية لا تقبل الفراغ.

ومع خروج الشيخ جاب الله من معتقله، كان تنظيم الشيخ نحناح قد اكتسح الساحة، ولم يبق له سوى من كانوا منتسبين لعالمية الدعوة.

ومن هنا بدأت جهود توحيد الصف وتنسيق العمل بين التيارات الثلاثة: العالميين (فكراً وتنظيماً)، والإقليميين (فكراً عالمياً وتنظيماً محلياً)، والجزأرة (أو البناء الحضاري فكراً وتنظيماً)، وكل فصيل بذل جهده، فحصدت الأجيال المتعاقبة ما شاء الله لها أن تحصد، وكل طرف اجتهد فيما اعتقد أنه خير للأمة.

أوراس

منصة رقمية جزائرية، تقدم الأخبار والتقارير في قوالب إبداعية، تسعى لتقديم الخبر من جميع جوانبه، شعارها الخبر قمّة والرأي قيمة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *