
في مساء العاشر من أغسطس 2025، تحولت خيمة للصحفيين قرب مستشفى الشفاء في غزة إلى ساحة مجزرة، بعد استهدافها بغارة إسرائيلية أودت بحياة ستة صحفيين، من بينهم مراسلا قناة «الجزيرة» ومحمد قريقع، لينضموا إلى قائمة طويلة تضم 238 صحفيًا فلسطينيًا قُتلوا منذ بداية الحرب.
– صورة أرشيفية.
مقال له علاقة: خطوات في الكونغرس ضد جامعة هارفارد وتهديد بإلغاء الامتيازات الضريبية (تقرير)
من هو الصحفي أنس الشريف
وُلد أنس في 3 ديسمبر 1996 في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وسط أجواء الصراع والحروب المتكررة، نشأ في بيئة تدرك جيدًا معنى الخطر والفقد، وتلقى تعليمه في مدارس «الأونروا» ووزارة التربية والتعليم، قبل أن يلتحق عام 2014 بجامعة الأقصى لدراسة الإذاعة والتلفزيون ويتخرج عام 2018.
بدأ مسيرته الإعلامية متطوعًا في شبكة الشمال الإعلامية، ليصبح لاحقًا مراسلًا لقناة «الجزيرة»، معتمدًا نهجًا ميدانيًا يضعه دائمًا في قلب الحدث، متحديًا المخاطر لنقل الحقيقة.
متزوج ولديه طفلان هما صلاح وشام، خلال حصار وتجويع شمال غزة عام 2024، تمركز أنس في جباليا ومدينة غزة، ووثق للعالم مشاهد غير مسبوقة لمعاناة المدنيين من الجوع والنزوح والبرد والأمراض، كما رصد القصف المتكرر على المدارس والمستشفيات، بما في ذلك استهداف مناطق مكتظة بالمدنيين.
شجاعته في الميدان جعلته هدفًا مباشرًا، إذ اتهمه الجيش الإسرائيلي بالانتماء إلى حركة «حماس» في محاولة لتبرير استهدافه، بعد أن أثرت تقاريره في الرأي العام العالمي.
وقد كرمته منظمة العفو الدولية في أستراليا بجائزة «المدافع عن حقوق الإنسان» تقديرًا لدوره في توثيق جرائم الحرب.
في ديسمبر 2023، دفع ثمنًا شخصيًا باهظًا، حين قصفت الطائرات الإسرائيلية منزل عائلته في جباليا، ما أدى إلى مقتل والده، لكنه واصل عمله دون أن تخفت عزيمته.
رحل أنس الشريف، أمس عن عمر 28 عامًا، برفقة زميله الصحفي محمد قريقع ومجموعة من الصحفيين، وأعلنت قناة الجزيرة، مساء الأحد، اغتيال مراسلي القناة الصحفيين: أنس الشريف ومحمد قريقع في قصف مباشر استهدف خيمة للصحفيين مقابل مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة
وصيته الأخيرة
كتب الصحفي أنس الشريف وصيته وأوصى بنشرها عند وفاته، وتم نقلها بحسب ما نشر على صفحته الرسمية على فيسبوك، أمس، من إدارة الصفحة، قائلاً: «هذه وصيّتي، ورسالتي الأخيرة، إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي»
بداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال الشريف، يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة «المجدل» لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ.
من نفس التصنيف: مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يرد على معارضة ترامب لاغتيال خامنئي ويؤكد: لا حصانة لأحد
عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهدًا على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكنًا ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف.
وتابع، أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم، أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران، كما أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة.
وأُوصيكم بأهلي خيرًا، أوصيكم بقُرّة عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تسعفني الأيّام لأراها تكبر كما كنتُ أحلم، أوصيكم بابني الغالي صلاح، الذي تمنيت أن أكون له عونًا ورفيق دربٍ حتى يشتدّ عوده، فيحمل عني الهمّ، ويُكمل الرسالة، كما أوصيكم بوالدتي الحبيبة، التي ببركة دعائها وصلتُ لما وصلت إليه، وكانت دعواتها حصني، ونورها طريقي، وأن يُربط على قلبها، ويجزيها عنّي خير الجزاء، وأوصيكم كذلك برفيقة العمر، زوجتي الحبيبة أم صلاح بيان، التي فرّقتنا الحرب لأيامٍ وشهورٍ طويلة، لكنها بقيت على العهد، ثابتة كجذع زيتونة لا ينحني، صابرة محتسبة، حملت الأمانة في غيابي بكلّ قوّة وإيمان.
وتابع: «أوصيكم أن تلتفوا حولهم، وأن تكونوا لهم سندًا بعد الله عز وجل، إن متُّ، فإنني أموت ثابتًا على المبدأ، وأُشهد الله أني راضٍ بقضائه، مؤمنٌ بلقائه، ومتيقّن أن ما عند الله خير وأبقى
ودعا أنس الشريف الله في رسالته أن يتقبله من الشهداء، وأن يغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وأن يجعل دمه نورًا يُضيء درب الحرية لشعبه وأهله.
واختتم وصيته قائلاً: «سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل»
لا تنسوا غزة….
ولا تنسوني من صالح دعائكم بالمغفرة والقبول.
أنس جمال الشريف.
اطلع أيضًا:
التعليقات