90% من الإنتاج العالمي مخصص للاستخدام الصناعي بدلاً من الاستهلاك البشري المباشر حسب معلومات الوزراء

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلاً جديداً حول «الملح»، مُشيراً إلى كونه أحد أقدم الموارد الطبيعية التي استخدمتها الحضارات البشرية، حيث تجاوز دوره كعنصر غذائي أساسي ليصبح أداةً لحفظ ومعالجة الأغذية البشرية والحيوانية، وسلعة رائجة في التجارة، كما حافظ على مكانته الاستراتيجية في العصر الحديث مع استخدامه على نطاق واسع في العديد من الصناعات مثل الأغذية، والأدوية، والكيماويات، ومعالجة المياه، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو ٩٠٪ من الإنتاج العالمي للملح مخصص للاستخدامات الصناعية وليس للاستهلاك البشري المباشر.

وأشار المركز إلى أن الأهمية المتعددة للملح قد أسهمت في تعزيز مكانته في الاقتصاد العالمي، مما جعل صناعته من القطاعات الديناميكية التي تشهد تطورات تكنولوجية مستمرة لتحسين الجودة ورفع الكفاءة الإنتاجية، مع التركيز بشكل متزايد على معايير الاستدامة البيئية.

وعلى الصعيد المحلي، تمتلك مصر إمكانات كبيرة في مجال إنتاج الملح بفضل ما تتمتع به من موارد طبيعية تشمل عددًا كبيرًا من الملّاحات الطبيعية، مما يبرز أهمية دراسة اتجاهات هذه الصناعة، وتحليل آفاقها التطورية على المستويين العالمي والمحلي.

وعلى الرغم من بساطة تكوينه الكيميائي، يمتلك الملح العديد من الخصائص التي تجعل منه مادة بالغة الأهمية، إذ تُقدر استخدامات الملح بأكثر من ١٤٠٠٠ استخدام، ما يجعله عنصرًا أساسيًّا في العديد من القطاعات والعمليات الصناعية والطبية والعلاجية، وذلك كما يلي: الغذاء والصحة، الصناعات الدوائية ومستحضرات التجميل، حيث يُعتبر الملح من المواد الكيميائية المُستخدمة في تصنيع الأدوية ومستحضرات التجميل والمنظفات، وفي إنتاج الأقراص وغيرها من الأدوية غالبًا ما يكون الملح جزءً من المواد غير الدوائية المستخدمة في التصنيع لتحسين بعض خصائصها مثل الرائحة، المظهر، والطعم، أو لتحسين ذوبان المكونات الفعّالة، وتجانس تركيبتها، وتوافرها الحيوي

الصناعات الحديثة تُعَد الصناعة الكيميائية المستهلك الأكبر للملح على الإطلاق، إذ يُستخدم الملح كمادة خام في التركيب الكيميائي لأكثر من ٥٠٪ من المنتجات الكيميائية سواء كمادة خام أولية أو كعامل مساعد في التفاعلات الكيميائية المختلفة، مما يعكس أهميته الاستراتيجية في دعم الصناعات التحويلية والكيماوية على مستوى العالم، ومن ذلك الكلور، والصودا الكاوية (هيدروكسيد الصوديوم)، ورماد الصودا (كربونات الصوديوم)، وتُعتبر هذه المواد الكيميائية أساسية لمجموعة واسعة من الصناعات التحويلية بما في ذلك البلاستيك، والمنظفات، والورق، والمنسوجات، والدهانات، والمطاط، والزجاج، وفي أنظمة تنقية المياه للاستخدام الصناعي والمنزلي، كما يحتل الملح موقعًا مهمًّا في طليعة المواد المستخدمة للتحول في مجال الطاقة باعتباره معدنًا أساسيًّا في تطوير التقنيات النظيفة الناشئة، بما في ذلك الألواح الشمسية وأنظمة البطاريات.

النفط والغاز يُشكِّل الملح عنصرًا أساسيًّا في صناعة النفط والغاز، حيث تدخل تطبيقاته في مختلف مراحل العملية الإنتاجية بدءً من مرحلة الحفر وصولًا إلى التكرير، ففى عمليات الحفر يُستخدم الملح لزيادة كثافة سوائل الحفر، كما يلعب دورًا حيويًّا في تركيبات الأسمنت المُستخدم في تبطين الآبار، أما في مرحلة المعالجة، فيُسهم في تنقية المنتجات النفطية من الشوائب المختلفة، وتبرز أهمية الملح أيضًا في عمليات التكرير حيث يؤثر بشكل مباشر على كفاءة المُحفِّزات المُستخدمة، كما تظهر فعاليته في مراحل الاستخلاص المعزِّز للنفط، خاصةً في تقنيات الحقن بالبوليمرات.

البنية التحتية يُعَد الطلب العالمي المُتزايد على ملح إزالة الجليد في المناطق الباردة مُحرِّكًا رئيسًا لنمو السوق العالمية، حيث يُعتبر عنصرًا أساسيًّا في الحفاظ على سلامة البنية التحتية للنقل خلال المواسم الباردة، وتبرز أهمية هذا النوع من الملح بشكل خاص في أمريكا الشمالية وأوروبا، حيث يُسهم بشكل فعّال في منع تشكل الجليد على الطرقات، مما يضمن استمرارية الحركة المرورية، ويقلل من الحوادث.

وأوضح تحليل المركز أنه في ظل زيادة الطلب العالمي على استخدامات الملح المتعددة في الصناعات الكيميائية، والأغذية، والطب، وغيرها من القطاعات الحيوية، ارتفع إجمالى الإنتاج العالمي للملح على مدار العقود الأربعة الماضية من ١٥٩ مليون طن مترى في عام ١٩٨٣ إلى ٢٧٠ مليون طن مترى في عام ٢٠٢٣، وهو العام الذي تصدرت فيه الصين قائمة الدول المُنتِجة للملح عالميًّا بحجم إنتاج يُقدَّر بنحو ٥٣ مليون طن مترى.

وشهدت تجارة الملح العالمية نموًّا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، إذ بلغت الصادرات العالمية من الملح (بما في ذلك: ملح الطعام، والملح المعطل، وكلوريد الصوديوم النقي وإن كان محلولًا بالماء) نحو ٣.٥ مليارات دولار في عام ٢٠٢٤ مقابل نحو ٢.٥ مليار دولار في عام ٢٠١٥ بنسبة ارتفاع بلغت ٤٠٪، فيما بلغت الواردات العالمية منه نحو ٥.١ مليارات دولار في عام ٢٠٢٤ مقابل نحو ٣.٧ مليارات دولار في عام ٢٠١٥، بنسبة ارتفاع بلغت ٣٧.٨٪

أشار التحليل إلى تصدر كل من الهند وألمانيا وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وتشيلى وبلجيكا والصين وكندا والمملكة المتحدة قائمة أكبر عشر دول مُصدِّرة للملح في عام ٢٠٢٤، وفى المقابل تصدَّرت الصين والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكوريا وبلجيكا وألمانيا وكندا وتايوان والمملكة المتحدة وفرنسا قائمة أكبر عشر دول مستوردة للملح في العام نفسه.

كما أشار إلى امتلاك مصر إمكانات كبيرة في صناعة الملح، نظرًا لموقعها الجغرافي المتميز وامتلاكها مصادر طبيعية متنوعة لإنتاجه، حيث تنتشر البحيرات والمنخفضات الساحلية التي تغمرها مياه البحر، مما هيَّأ البيئة المثالية لإنشاء الملاحات الشمسية الطبيعية والصناعية، هذا بخلاف مناجم الملح الصخري في مناطق مثل الواحات البحرية وسيناء.

وتُعَد هذه المناطق النواة الأساسية لصناعة الملح في البلاد، حيث تقوم فيها العديد من الشركات باستخراج وإنتاج الملح، ومن أبرزها محافظة الإسكندرية التي تضم ملاحات «المكس» و«برج العرب»، ومحافظة البحيرة التي تشتهر بملاحات «وادى النطرون»، ومحافظة مطروح التي تضم ملاحات واحة سيوة، ومحافظة دمياط التي تضم ملاحات «عزبة البرج»، ومحافظة شمال سيناء التي تشمل عدة ملاحات أبرزها: «السبيكة – العجرة – القطرات – الروضة»، ومحافظة بورسعيد التي تضم ملاحة «سنمار»، ومحافظة الفيوم حيث تنتج بحيرة قارون أنواعًا متعددة من الأملاح مثل: ملح الطعام، وكبريتات الصوديوم، والماغنيسيوم، ومحافظة البحر الأحمر التي تحتوي على ست ملاحات لإنتاج كلوريد الصوديوم

أوضح التقرير أنه يتم استغلال الملح المنتج في مصر بأنواعه المختلفة بشكل اقتصادي، إذ تأتى مصر ضمن أكبر الاقتصادات المنتجة للملح في عام ٢٠٢٣، بإنتاج بلغ نحو ٢.٣ مليون طن مترى، وفقًا لإحصاءات موقع World population review.

وتُصدِّر مصر كميات كبيرة من الملح إلى دول أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، حيث بلغت قيمة صادرات مصر من الملح المستخرج من باطن الأرض نحو ٢٨.٨ مليون دولار في عام ٢٠٢٤، مقابل نحو ٢١.٩ مليون دولار في عام ٢٠٢٣، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا وهولندا وبولندا وفنلندا وليتوانيا من أكبر مستوردى الملح المصري المستخرج من باطن الأرض في عام ٢٠٢٤.

كما ارتفعت قيمة الصادرات المصرية من الملح البحري لتبلغ ١٨.٢ مليون دولار في عام ٢٠٢٤ مقابل نحو ١٦.٢ مليون دولار في عام ٢٠٢٣، وتُعَد أوكرانيا والكاميرون واليونان والولايات المتحدة الأمريكية وبلغاريا وبولندا وليتوانيا من كبار مستوردى الملح البحري المصري في عام ٢٠٢٤.

أشار التقرير إلى احتلال ملح الطعام المُعبَّأ في عبوات جاهزة المركز الثالث بين صادرات مصر من الملح في عام ٢٠٢٤، حيث بلغت قيمته نحو ١٤.٦ مليون دولار، وكانت دولة ساحل العاج ومولدوفا والسعودية وفلسطين من أكبر الأسواق المستوردة لهذا النوع خلال ذلك العام.

وتناول التحليل ما أشارت إليه أحدث بيانات شركة «فورتشن بيزنس إنسايتس» من أن سوق الملح العالمية بلغت قيمتها ٢٥.٩٨ مليار دولار في عام ٢٠٢٤، مع توقعات بنمو مطرد لتصل إلى ٢٦.٩٢ مليار دولار في عام ٢٠٢٥، و٣٦.١٣ مليار دولار بحلول عام ٢٠٣٢، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ ٤.٣٪ خلال الفترة (٢٠٢٥ – ٢٠٣٢)، ويرجع هذا النمو إلى عدة عوامل رئيسة، يأتي في مقدمتها الطلب المتزايد على الملح في التطبيقات الصناعية وعمليات إزالة الجليد، وتجدر الإشارة إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ سيطرت على الحصة الكبرى من السوق بنسبة ٤٦.٢٣٪ في عام ٢٠٢٤، بينما من المتوقع أن يصل حجم سوق الملح الأمريكية إلى ٤.٩١ مليارات دولار بحلول ٢٠٣٢.

وسيطر ملح الصخور على الحصة الكبرى من السوق في ٢٠٢٤، ومن المرجح أن يحافظ على هيمنته حتى عام ٢٠٣٢، في المقابل يُتوقع أن يشهد ملح الشمس (الملح الذي يُستخرج عبر التبخير الشمسي للمياه المالحة أو مياه البحر) نموًّا ملحوظًا خلال الفترة نفسها، مدفوعًا بالطلب المتزايد على المنتجات عالية الجودة في مختلف القطاعات الصناعية.

ومن الجدير بالذكر أن عملية إنتاج الملح تُعَد نشاطًا كثيف الاستهلاك للطاقة، مما قد يؤدي إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ويُسهم في ظاهرة تغير المناخ، كما يترتب على إنتاج الملح كميات كبيرة من النفايات، وتتضمن عمليات التعدين عادةً تدميرًا للأراضي وتدهورًا للبيئة، مما يؤدي إلى فقدان التنوع البيئي، وضعف قدرة الأرض على امتصاص الكربون.

وأوضح المركز أنه لمعالجة هذه المخاوف البيئية، يتبنى المنتجون بشكل متزايد ممارسات مستدامة ترتكز على الحفاظ على المياه، والتبخير الشمسي، وسلاسل التوريد المستدامة، وإدارة النفايات، والتغليف الصديق للبيئة، ومن خلال اعتماد هذه الاستراتيجيات، يُمكن للصناعة تقليل بصمتها الكربونية وتعزيز الاقتصاد الدائري، إذ تتمثل بعض الممارسات المستدامة الرئيسية في الحفاظ على المياه وإعادة تدويرها، من خلال الاعتماد على التقنيات الموفرة للمياه كأنظمة الحلقة المغلقة، التي تتيح إعادة استخدام المياه عدة مرات قبل المعالجة، مما يُقلل من استهلاك المياه.

التبخير الشمسي، الذي يُعد طريقة تستخدم طاقة الشمس لتبخير المياه، مما يقلل الاعتماد على العمليات كثيفة الاستهلاك للطاقة، ومن الجدير بالذكر أن هذه الطريقة تُقلل – بشكل كبير- من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مقارنة بالطرق الأخرى.

إدارة سلسلة التوريد المستدامة، من خلال إعطاء الأولوية للموردين الذين يلتزمون بالممارسات الصديقة للبيئة، بما في ذلك التعدين أو الحصاد المسؤول للملح، والنقل الصديق للبيئة.

إدارة النفايات والاستفادة من المنتجات الثانوية، من خلال اعتماد تقنيات مبتكرة لإدارة النفايات لتقليل استخدام مكبّات النفايات، فتفعيل تقنيات الاقتصاد الدائري يخلق فرصًا تسويقية جديدة، ويقلل من النفايات.

التغليف الصديق للبيئة، من خلال استخدام مواد تغليف قابلة لإعادة التدوير والتحلل الحيوي.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *