
تسلط كواليس التحضيرات المكثفة لقمة الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين الضوء على تفاصيل دقيقة، بدءًا من اختيار قاعدة عسكرية مكانًا للاجتماع، وصولاً إلى اتصالات دبلوماسية مكثفة، مرورًا بالتحضير لجلسة خاصة بين الزعيمين بدون أي من ممثلي الطرفين، بينما أثار استبعاد أوكرانيا قلقًا واسع النطاق في أوروبا، مما يجعل قمة ألاسكا تبدو كأنها تكرار لما حدث في اجتماع يالطا عام 1945.
ممكن يعجبك: بيدرسن يدعو إسرائيل لوقف هجماتها على سوريا بشكل فوري
سر القاعدة العسكرية
لم يكن اختيار ولاية ألاسكا الأمريكية لاستضافة القمة بين ترامب وبوتين هو ما شغل المنظمين فقط، بل أيضًا الموقع المحدد داخل الولاية، حيث يأتي توقيت اللقاء في ذروة الموسم السياحي، مما أدى إلى قلة الخيارات المتاحة، حتى أن بعض الشخصيات البارزة عرضت منازلها لتكون مقرًا للاجتماع المرتقب.
وبعد مشاورات مكثفة، تم اختيار مدينة أنكوريج، أكبر مدن ألاسكا، نظرًا لتوفر خيارات ملائمة، وتم الاستقرار على قاعدة المندورف-ريتشاردسون المشتركة الواقعة على حافة المدينة، حيث تلبي المتطلبات الأمنية اللازمة للاجتماع التاريخي، رغم أن البيت الأبيض كان يأمل في تجنب صورة استضافة بوتين ومرافقيه في قاعدة عسكرية أمريكية.
مفاجأة سعيدة
أسفرت المشاورات المطولة عن اتفاق بين إدارتي ترامب وبوتين على ألاسكا كمكان لعقد القمة، وأبدى المسؤولون الأمريكيون شعورًا بالسرور والمفاجأة عندما وافق الرئيس الروسي على الاجتماع في الأراضي الأمريكية، وخاصة في ألاسكا التي كانت جزءًا من الإمبراطورية الروسية قبل أن تشتريها الولايات المتحدة قبل 158 عامًا، حيث قال ترامب: «اعتقدت أنه من الاحترام الشديد أن يأتي رئيس روسيا إلى بلادنا بدلاً من ذهابنا إلى بلده أو حتى إلى مكان ثالث»، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.
ورغم تعبير الإدارة الأمريكية عن امتنانها لموافقة بوتين، أشار جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق لترامب، إلى أن «المكان الوحيد الأفضل لبوتين من ألاسكا هو لو عُقدت القمة في موسكو»، مضيفًا أن الترتيبات الأولية تمثل انتصارًا كبيرًا لبوتين، في إشارة إلى السماح له بزيارة البلاد.
جلسة استطلاع ولقاء غامض
عادةً ما تسبق أي قمة مهمة مع خصوم الولايات المتحدة مفاوضات مطولة حول جدول الأعمال والنتائج المحتملة، لكن ترامب صرح بأنه يعتبر الاجتماع جلسة «استطلاع» لرأي بوتين حول كيفية إنهاء الحرب الأوكرانية، بينما تجرى اللمسات الأخيرة على تفاصيل الاجتماع، وهو الأول بين رئيسي الولايات المتحدة وروسيا منذ أكثر من أربع سنوات.
أجرى وزراء خارجيتي البلدين اتصالًا تحضيريًا للقاء، حيث أشار وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو إلى أن ترامب يرى ضرورة رؤية بوتين وجهًا لوجه، مؤكدًا أن المكالمات الهاتفية لم تكن كافية لتحديد نوايا الزعيم الروسي.
أعلن البيت الأبيض أن ترامب سيقضي جزءًا من اجتماع القمة مع بوتين وجهًا لوجه، مما يتيح لهما فرصة لإجراء مناقشة خاصة دون أي تدخل، ومن المعروف أن القادة يجتمعون على انفراد، لكن علاقة ترامب وبوتين كانت موضع تدقيق كبير.
خلال ولاية ترامب الأولى، اجتمع هو وبوتين وجهًا لوجه في هلسنكي عام 2018، حيث انتهى الاجتماع بلحظة فارقة عندما انحاز ترامب إلى بوتين ضد وكالات الاستخبارات الأمريكية بخصوص التدخل الروسي في الانتخابات، كما اجتمعا على انفراد في قمة مجموعة العشرين في هامبورغ عام 2017.
بعد اجتماع ألمانيا، أفاد مسؤولون كبار أنهم لم يكونوا أحيانًا على علم بما دار من نقاشات عندما استُبعد مساعدوهما، حيث كان هناك مترجمون فقط في كلا اللقاءين، لكن لم يكن هناك مساعدون رفيعو المستوى، وقد طلب ترامب من مترجمه ملاحظاته عقب اجتماع هامبورغ.
شبح اجتماع يالطا
في ظل المعلومات المتاحة حول عدم مشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في قمة ألاسكا، أعاد البعض استحضار قمة يالطا عام 1945، حيث أُعيد رسم خريطة أوروبا دون مشاركة الدول المعنية، مما أثار مخاوف أوكرانيا وأوروبا من تكرار ما حدث.
اجتمعت القوى العظمى في ميناء يالطا عام 1945 لتقسيم أوروبا بعد هزيمة ألمانيا النازية، حيث رسمت هذه القوى خطوطًا على الخريطة مزقت الدول، وسلّمت أوروبا الشرقية فعليًا للاتحاد السوفييتي، وقطعت أوصال بولندا، دون أن يكون لأي من هذه الدول تمثيل أو رأي.
اقرأ كمان: الجزائر تعيد تشكيل قوتها الجوية بتعزيز مقاتلات الجيل الرابع والخامس وتكنولوجيا الحرب الإلكترونية
بينما عبّر العديد من المؤرخين عن مخاوفهم من تكرار ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، يرى آخرون أن الظروف الحالية تختلف، حيث كان الزعيم السوفييتي ستالين حليفًا له دور فعال في هزيمة ألمانيا النازية، بينما روسيا اليوم على طرف نقيض.
تحذير أوكراني لترامب
كان الرئيس زيلينسكي جزءًا من مجموعة أصوات حذرت ترامب من أن بوتين قد يحاول خداعه، وقد تجاهل الرئيس الأمريكي هذه المخاوف تقريبًا، مؤكدًا عزمه التفاوض على ما أسماه «تبادل الأراضي» بين روسيا وأوكرانيا، وهو اقتراح رفضه الأوكرانيون بالفعل.
في تصريحات مطولة حول رحلته المحتملة إلى روسيا، قال ترامب إنه سيعرف خلال دقائق ما إذا كان بوتين جادًا في إبرام صفقة لإنهاء الحرب، مضيفًا: «لأن هذا ما أفعله.. أنا من يُبرم الصفقات».
حتى الآن، تجنب ترامب الإجابة عن أسئلة حول توقعاته من الاجتماع، حيث قال: «قد أغادر وأقول.. بالتوفيق، وستكون هذه هي النهاية»، لكنه أشار إلى استعداده لمناقشة مواضيع أخرى مع بوتين، بما في ذلك فرص التجارة والانتشار النووي، بالإضافة إلى التلويح بفرض عقوبات على روسيا قد تنضم إليها أوروبا أيضًا.
مواضيع مشابهة: الجزائر ترد على موقف المملكة المتحدة الجديد حول الصحراء الغربية وتوضح موقفها بشكل رسمي
التعليقات