كيف تؤثر فاتورة الذكاء الاصطناعي على الشركات.. إنفاق كبير بلا عوائد ملموسة؟

قبل ما يقرب من أربعة عقود، خلال ذروة عصر الحواسيب الشخصية، ظهرت ظاهرة تُعرف بـ “مفارقة الإنتاجية”.

كانت هذه الظاهرة تشير إلى أنه رغم الاستثمارات الكبيرة التي قامت بها الشركات في التكنولوجيا الحديثة، لم يكن هناك دليل قوي على تحقيق زيادة ملحوظة في كفاءة الموظفين الذين تم تخصيص هذه التكنولوجيا لهم، واليوم نرى نفس المفارقة تتكرر مع الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وفقًا لدراسة حديثة من شركة ماكينزي، أفادت نحو 80% من الشركات بأنها تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن نسبة مماثلة منها أكدت أنها لم تحقق أي تأثير ملحوظ على صافي الربح.

تتقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل ملحوظ، خاصة مع برامج الدردشة الآلية مثل ChatGPT، في ظل سباق محموم بين الشركات الكبرى والشركات الناشئة الثرية، مما يثير توقعات بإحداث ثورة في مجالات متعددة، بدءًا من المحاسبة الإدارية وصولًا إلى خدمة العملاء.

ومع ذلك، لا تزال العوائد على الشركات خارج قطاع التكنولوجيا متأخرة، وتعاني من مشكلات مثل ميل برامج الدردشة الآلية إلى اختلاق المعلومات.

هذا يعني أن الشركات ستحتاج إلى الاستمرار في استثمار مليارات الدولارات لتفادي التخلف عن الركب، لكن قد يستغرق الأمر سنوات قبل أن تحقق هذه التكنولوجيا عائدًا اقتصاديًا ملموسًا على مستوى العالم، حيث تكتشف الشركات تدريجيًا ما هو الأنسب لها.

مفارقة جيل الذكاء الاصطناعي

تشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أن هذه المفارقة الجديدة يمكن تسميتها بـ “مفارقة جيل الذكاء الاصطناعي”، كما أوضحت ماكينزي في تقريرها البحثي.

من المتوقع أن تزيد استثمارات الشركات في الذكاء الاصطناعي التوليدي بنسبة 94% هذا العام، لتصل إلى 61.9 مليار دولار، وفقًا لشركة IDC، وهي شركة أبحاث تكنولوجية.

في نفس الوقت، ارتفعت نسبة الشركات التي تخلت عن معظم مشاريعها التجريبية في مجال الذكاء الاصطناعي إلى 42% بحلول نهاية عام 2024، مقارنة بـ 17% في العام السابق، وفقًا لمسح أجرته شركة S&P Global على أكثر من 1000 مدير تكنولوجيا وأعمال.

قال ألكسندر جونستون، كبير المحللين في S&P Global، إن المشاريع فشلت ليس فقط بسبب العقبات التقنية، ولكن أيضًا بسبب “عوامل بشرية” مثل مقاومة الموظفين والعملاء أو نقص المهارات.

تتوقع شركة غارتنر أن الذكاء الاصطناعي يدخل مرحلة تُعرف بـ “قاع خيبة الأمل”.

من المتوقع أن يصل إلى أدنى مستوياته العام المقبل، قبل أن تصبح هذه التقنية أداة إنتاجية مثبتة، وفقًا لجون ديفيد لوفلوك، كبير المُتنبئين في غارتنر.

نشوة مبكرة وكفاح للإتقان

تشير الصحيفة الأمريكية إلى أن هذا النمط كان سائدًا مع التقنيات السابقة، حيث يبدأ الأمر بنشوة مبكرة، يليها كفاح شاق لإتقان التقنية، ثم يتحول إلى تغييرات في الصناعات وفرص العمل.

حتى الآن، كان الفائزون هم مزودو تقنيات الذكاء الاصطناعي واستشاراته، مثل مايكروسوفت وأمازون وغوغل، التي تقدم برمجيات الذكاء الاصطناعي، بينما تُعد إنفيديا الرائدة بلا منازع في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي.

تفاخر المسؤولون التنفيذيون في هذه الشركات بقدرة الذكاء الاصطناعي على إعادة تشكيل قوى العمل، مما يقلل الحاجة إلى بعض أعمال البرمجة المبتدئة، ويزيد من كفاءة العاملين الآخرين.

يتوقع الكثيرون أن يحل الذكاء الاصطناعي في النهاية محل قطاعات كاملة من الموظفين البشريين، وهو تصور يلقى قبولًا واسعًا في أوساط الشركات.

في مهرجان أسبن للأفكار في يونيو/حزيران، قال جيم فارلي، الرئيس التنفيذي لشركة فورد موتور، “سيحل الذكاء الاصطناعي محل نصف جميع العاملين ذوي الياقات البيضاء في الولايات المتحدة”.

يعتمد حدوث هذا النوع من التغيير الثوري وسرعة حدوثه على التجارب العملية للعديد من الشركات.

صرح أندرو مكافي، الباحث العلمي الرئيسي والمدير المشارك لمبادرة الاقتصاد الرقمي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، “إن القوة التكنولوجية الخام هائلة، لكنها لن تحدد مدى سرعة تحول الذكاء الاصطناعي للاقتصاد”.

ومع ذلك، تجد بعض الشركات طرقًا لدمج الذكاء الاصطناعي، على الرغم من أن هذه التقنية لا تزال بعيدة عن استبدال العمال في معظم الحالات.

من بين الشركات التي تعكس وعود الذكاء الاصطناعي وعيوبه، شركة USAA، التي تقدم خدمات التأمين والخدمات المصرفية لأفراد الجيش وعائلاتهم.

تجربة USAA

بعد عدة مشاريع تجريبية، أُغلق بعضها، قدمت الشركة مساعدًا للذكاء الاصطناعي لمساعدة موظفي خدمة العملاء، والذين يبلغ عددهم 16,000، على تقديم إجابات دقيقة لأسئلة محددة.

تتابع USAA استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، لكنها لم تحدد بعد العائد المالي، إن وجد، لبرنامج مركز الاتصال، لكن الشركة أكدت أن استجابة موظفيها كانت إيجابية للغاية.

على الرغم من أن لديها تطبيقات برمجية للإجابة على أسئلة العملاء عبر الإنترنت، إلا أن مراكز الاتصال التابعة لها تستقبل ما معدله 200,000 مكالمة يوميًا.

قال رامنيك باجاج، كبير مسؤولي تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي في الشركة، “إنهم يريدون صوتًا بشريًا على الطرف الآخر من الهاتف”.

هذا مشابه لتطبيق ذكاء اصطناعي تم تطويره قبل أكثر من عام للعاملين الميدانيين في شركة جونسون كونترولز، وهي مورد كبير لمعدات البناء والبرمجيات والخدمات.

أدخلت الشركة أدلة التشغيل والخدمة الخاصة بأجهزتها في برنامج ذكاء اصطناعي مدرب على إنشاء ملخص للمشكلة، واقتراح الإصلاحات، وتسليمها بالكامل إلى الكمبيوتر اللوحي للفني.

خلال الاختبار، قلّص التطبيق من 10 إلى 15 دقيقة من مكالمة الإصلاح التي كانت تستغرق ساعة أو أكثر، مما يمثل زيادة ملحوظة في الكفاءة، لكن ليس تحولًا كبيرًا في مكان العمل بحد ذاته.

وأقل من 2000 من أصل 25000 موظف خدمة ميدانية في الشركة لديهم إمكانية الوصول إلى مساعد الذكاء الاصطناعي، رغم أن الشركة تخطط للتوسع.

قال فيجاي سانكاران، كبير مسؤولي المعلومات والرقمية في جونسون كونترولز: “لا يزال الأمر مبكرًا جدًا، لكن الفكرة هي أنه بمرور الوقت سيستخدمه الجميع”

aXA6IDJhMTM6YWRjMDo6YWYxOmVhZmY6ZmVmNjoyYjUyIA==.

جزيرة ام اند امز.

NL.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *