
واشنطن ـ رويترز
عندما تجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي عام 2018، أثار لقاؤهما قلق الحلفاء، حيث انحاز ترامب في حديثه إلى بوتين بشأن تدخل وكالات الاستخبارات الروسية في الانتخابات.
لكن ترامب يستعد الآن للذهاب إلى ألاسكا غداً الجمعة لعقد اجتماع مع بوتين في ظروف مختلفة، إذ نفد صبره من عدم استعداد روسيا للتفاوض حول إنهاء الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى استيائه من الضربات الصاروخية التي تتعرض لها المدن الأوكرانية.
العالم يترقب الآن ليرى ما إذا كان ترامب سيظهر بوجهه الأكثر صرامة في لقاء أنكوريج بولاية ألاسكا، أم أنه سيسعى مجدداً للتودد إلى الزعيم الروسي الماكر.
قلق أوروبي عميق
الإجابة على هذا السؤال قد تحمل تداعيات كبيرة على الزعماء الأوروبيين الذين يشعرون بالقلق من أن السماح لروسيا بالاستيلاء على أجزاء من أوكرانيا قد يجعلها أكثر عدوانية تجاه الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي القريبة منها مثل بولندا وإستونيا وليتوانيا ولاتفيا.
لكن الأهمية الأكبر تكمن لأوكرانيا، التي تخسر أراضي أمام القوات الروسية بعد ثلاث سنوات ونصف من القتال العنيف.
على الرغم من لهجته الأكثر حدة تجاه بوتين في الأشهر الأخيرة، فإن ترامب لديه تاريخ طويل من محاولات استرضاء الزعيم الروسي، ففي عام 2022، عندما غزت روسيا أوكرانيا، لم ينتقد ترامب بوتين بشكل مباشر، بل أشاد به لجهوده في تحسين العلاقات بين البلدين.
المراقبون للشؤون الروسية يتساءلون عما إذا كان ترامب سيقع مرة أخرى تحت تأثير بوتين، متأثراً بحجته حول حق روسيا في الهيمنة على أوكرانيا.
قال دان فريد، الدبلوماسي الذي عمل مع عدة رؤساء أمريكيين، إن هناك قلقاً من أن بوتين قد يخدع ترامب ليوقع صفقة سيئة على حساب أوكرانيا، مضيفاً أن هناك احتمالاً آخر بأن تدرك الإدارة أن بوتين لا يزال يتلاعب بها.
مسعى لتهدئة التوقعات
إدارة ترامب سعت لتهدئة التوقعات، حيث صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت للصحفيين بأن الاجتماع سيكون «تدريباً على الاستماع»، بينما أشار ترامب إلى إمكانية عقد اجتماع ثانٍ يجمع بين بوتين ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي إذا سارت الأمور بشكل جيد خلال جلسة ألاسكا.
روسيا لم تظهر أي استعداد لتقديم تنازلات وسط مخاوف أوكرانية من أن ترامب قد يبرم صفقة دون موافقتهم، حيث أعرب زيلينسكي عن رغبته في التوصل أولاً إلى وقف لإطلاق النار يتبعه ضمانات أمنية.
حوافز وانتقادات
عند تولي ترامب منصبه مرة أخرى في يناير/كانون الثاني، حاول إحياء الأجواء الودية التي كانت سائدة في فترته الأولى مع بوتين، وأظهر تعاطفه مع بوتين الذي يواجه عزلة دولية، وتعهد بإنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة.
ومع تخفيف الإدارة للضغوط على روسيا، ترددت بعض الأحاديث التي تتبناها موسكو بين مساعدي ترامب، مما أثار استياء داعمي أوكرانيا.
في مارس/آذار، ألمح المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف إلى أن لروسيا الحق في السيطرة على أربع مناطق في أوكرانيا لأن سكانها يتحدثون الروسية، وفي اجتماع متوتر بالبيت الأبيض في فبراير/شباط، تعرض زيلينسكي لتوبيخ من ترامب ونائبه جيه دي فانس بسبب طريقة تعامله مع الحرب، مما أعطى شعوراً بالارتياح لأصحاب المواقف المتشددة في روسيا.
رغم هذه الحوافز، لم ينصع الزعيم الروسي لجهود ترامب لتوجيه الطرفين نحو اتفاق سلام، واستمر في شن غارات جوية مدمرة على أوكرانيا.
ومع استمرار إراقة الدماء، اضطر ترامب في يوليو/تموز إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة، حيث أبدى استياءه من مماطلة بوتين ووافق على إرسال أسلحة جديدة إلى أوكرانيا على أن تتحمل أوروبا تكاليفها، وهدد بعقوبات مالية جديدة على موسكو.
في ضغط غير مباشر على موسكو، فرض ترامب الأسبوع الماضي رسوماً جمركية بنسبة 25% على الهند لشرائها النفط الروسي، لكنه لم ينفذ تهديداته بفرض عقوبات أشد، وهدد ترامب أمس بعواقب وخيمة إذا لم تُبرم روسيا اتفاقاً لإنهاء الحرب.
قال نيكولاس فينتون، من برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن التغيير الواضح في نبرة البيت الأبيض لم يُترجم بعد إلى التزامات مالية جديدة من واشنطن لتعزيز أمن أوكرانيا أو توسيع العقوبات الأمريكية، حيث تتأجل باستمرار المهل التي يضعها ترامب لفرض عقوبات إضافية على موسكو.
يوم الاثنين، قال ترامب إنه يجب أن يعرف خلال دقيقتين ما إذا كان بوتين مستعداً لتقديم تنازلات، مضيفاً أنه قد يقول لهم، حظاً سعيداً واستمروا في القتال، أو يمكنه أن يعرض عليهم عقد صفقة.
* إغراء الاتفاق
بالنسبة لترامب، الذي ينجذب إلى مشهد قمة رفيعة المستوى أمام أنظار العالم، فإن إغراء التوصل إلى اتفاق قوي للغاية، فقد أطلق حملة مفتوحة هذا العام للفوز بجائزة نوبل للسلام، مشيراً إلى ما يعتبره انتصارات دبلوماسية، مما أثار قلق حلفاء بلاده بحماسه لإبرام اتفاق سلام في أوكرانيا قد يشجع بوتين على تشديد مواقفه.
في الأيام الأخيرة، احتج قادة أوكرانيا وأوروبا على تصريح ترامب بأن روسيا وأوكرانيا ستضطران إلى مبادلة أراض للتوصل إلى اتفاق سلام، حيث تحتل روسيا شبه جزيرة القرم ومساحات واسعة من شرق أوكرانيا، ولم تعد أوكرانيا تسيطر على أي أراض روسية، مما يثير التساؤل حول الأراضي التي يمكن مبادلتها بشكل محدد.
يصر ترامب على أنه الوحيد القادر على إنهاء الحرب بفضل علاقته الشخصية مع بوتين، بينما أعرب جون بولتون، أحد مستشاري ترامب للأمن القومي في فترته الأولى والناقد اللاذع الآن، عن قلقه من أن بوتين بدأ يمارس سحره على ترامب، مضيفاً أن العلاقات الشخصية لها مكانها في الشؤون الخارجية، لكن عندما يتعلق الأمر بأحد أقسى رجال العالم مثل فلاديمير بوتين، فالأمر يتطلب تفكيراً منطقياً وتحليلاً موضوعياً، وهو ما يبدو أن ترامب لا يدركه.
في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأربعاء، اشتكى ترامب من أن وسائل الإعلام غير العادلة تعمل على تشويه لقائه ببوتين، مشيراً إلى اقتباسات من «الفاشلين الذين طُردوا» مثل بولتون.
ممكن يعجبك: تحطم طائرة في مطار فرحات عباس بجيجل يثير القلق والدهشة
مواضيع مشابهة: تقارير الشرق الأوسط تثير القلق.. الاتحاد الأوروبي يدعو إسرائيل وإيران للتهدئة
التعليقات