اليونان تتعافى بعد عقد من الرفض الشعبي للتقشف مع تحديات مستمرة

قبل 10 سنوات، اختارت اليونان “لا” في استفتاء تاريخي يتعلق بخطة تقشف صارمة فرضها الدائنون، ورغم أن المؤشرات الاقتصادية قد شهدت بعض التحسن، إلا أن آثار الأزمة لا تزال بارزة في حياة العديد من اليونانيين.

بينما تتذكر أثينا صيف 2015 بكل ما حمله من قلق وانهيارات في القطاع المصرفي، تواجه فرنسا اليوم وضعًا ماليًا يثير القلق في الأسواق، حيث تجاوزت عوائد ديونها السيادية نظيرتها اليونانية، وهو مشهد لم يكن متوقعًا قبل عقد من الزمن.

صيف الخوف في أثينا

نقلت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن كاترينا غربسا، صاحبة متجر في وسط أثينا، قولها إنها لا تنسى صيف 2015 الذي كاد أن يدمر كل ما تملك، مثل كثير من اليونانيين.

ففي الساعات الأولى من يوم 27 يونيو/ حزيران، أعلن رئيس الوزراء اليساري أليكسيس تسيبراس، الذي تولى الحكم قبل أشهر، عن تنظيم استفتاء في 5 يوليو/ تموز لرفض خطة تقشف ثالثة منذ بداية أزمة الديون في عام 2010، وهي الخطة التي أرادت “الترويكا” (صندوق النقد الدولي، البنك المركزي الأوروبي، المفوضية الأوروبية) فرضها.

في اليوم التالي، ومع رفض وزراء مالية منطقة اليورو تمديد اتفاق القرض لليونان، تسارعت وتيرة هروب رؤوس الأموال، مما دفع الحكومة لفرض ضوابط على حركة رأس المال وإغلاق البنوك حتى ما بعد الاستفتاء، حيث أصبح الحد الأقصى للسحب النقدي 60 يورو يوميًا، وتوقفت الشركات عن دفع رواتب موظفيها أو تسديد فواتير مورديها، لتجد البلاد نفسها في مأزق خطير.

وقالت غربسا: “في تلك الأيام كنا نقف في طوابير الصراف الآلي ونسخر من الوضع السخيف، لكننا كنا نخشى في قرارة أنفسنا أن نستيقظ على خبر خروج اليونان من منطقة اليورو”

من المريض الأوروبي إلى التلميذ المتفوق

اليوم، وفي مفارقة تاريخية، أصبحت اليونان أكثر جاذبية للمستثمرين من فرنسا من حيث عوائد السندات، ففي 13 أغسطس/ آب، تجاوزت معدلات الفائدة على السندات الفرنسية لأجل 10 سنوات نظيرتها اليونانية، وهو مشهد تكرر عدة مرات منذ أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، حين اعتبر المستثمرون لأول مرة أن إقراض اليونان أكثر أمانًا من إقراض فرنسا.

في البداية، كان هذا التفوق يقتصر على السندات قصيرة ومتوسطة الأجل (سنتان، خمس سنوات، سبع سنوات)، لكنه أصبح يشمل السندات الأطول أمدًا، واليوم، تقترض فرنسا بفائدة أعلى من إسبانيا والبرتغال واليونان.

ويعلق الخبير الاقتصادي سيلفان برسنغيه بلهجة حادة: “فرنسا تتحول إلى التلميذ الأسوأ في منطقة اليورو… الإيطاليون فقط أسوأ حالًا، لكننا نقترب منهم يومًا بعد يوم”

خبيرة اقتصادية فرنسية: فرنسا ليست اليونان

مع ذلك، تطمئن الخبيرة الاقتصادية ستيفاني فيلير بأن فرنسا “ليست في حالة إفلاس”، فهي قادرة على تحصيل الضرائب، بخلاف اليونان قبل أزمة 2010 التي عانت من اقتصاد غير رسمي ضخم وتهرب ضريبي واسع، بحسب محطة “فرانس إنفو” الفرنسية.

وأضافت: “لا تحتاج فرنسا لتدخل صندوق النقد الدولي”، رغم تكرار هذه الفرضية في الأشهر الأخيرة

ورأت أن الاقتصاد اليوناني أصغر بكثير من نظيره الفرنسي، وبالتالي يحتاج إلى اقتراض أقل، مما يسهل تحسين مؤشراته المالية نسبيًا، كما أن الطلب على السندات الفرنسية لا يزال قويًا، إذ تُباع الإصدارات الجديدة بسرعة ودون مشاكل.

قلق ما قبل الموازنة

مع اقتراب موعد مناقشة الموازنة الجديدة، يرى المحللون أن هذه الفوارق في العوائد تشير إلى توتر متزايد في الأسواق، فمنذ حل البرلمان العام الماضي، تعمقت الشكوك بشأن قدرة فرنسا على ضبط ماليتها.

وقالت الخبيرة الاقتصادية ناتالي جانسون: “المقلق حقًا هو ارتفاع أسعار الفائدة… فكلما ارتفعت، زادت أعباء خدمة الدين”، مشيرة إلى أن الفوائد وحدها ستكلف 67 مليار يورو هذا العام

الأمان في جيوب الفرنسيين

هناك ما يطمئن المستثمرين، وهو حجم المدخرات الهائل لدى الفرنسيين، والذي يبلغ 6 تريليونات يورو، أي ضعف حجم الدين العام تقريبًا، ويرى المستثمرون أنه في حال حدوث أزمة، يمكن للدولة الاعتماد على هذه المدخرات عبر الضرائب، لكن ما يطمئن الأسواق قد لا يطمئن المدخرين أنفسهم.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *