اكتشف ألاسكا كجسر تاريخي بين أمريكا وروسيا وأرض الفرص التجارية المثيرة

تاريخ «ألاسكا» العريق وأهميتها الراهنة يجعلها اليوم نقطة محورية في سياق الأزمة الأوكرانية التي بدأت في فبراير/شباط 2022، حيث تترقب الأسواق العالمية تطورات اتفاق أمريكي-روسي يمكن أن يحدث تحولاً جذرياً في هذا الصراع.

تعتبر «ألاسكا» الولاية رقم 49 في الولايات المتحدة، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ الروسي، إذ كانت في الماضي جزءاً من الأراضي الروسية، مما يضيف طابعاً خاصاً على اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة 15 أغسطس/آب 2025، لمناقشة مستقبل الصراع في أوكرانيا.

تُعد ألاسكا أكبر ولاية في الولايات المتحدة، حيث تغطي خُمس المساحة الإجمالية للبلاد، وتفوق ولاية تكساس في الحجم، مما يعكس أهميتها الاقتصادية. في هذا التقرير، سنستعرض تاريخ ألاسكا وأبرز محطاته، مع التركيز على جوانبها الاستراتيجية من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

جغرافيا مكانية فريدة

تقع ألاسكا، الولاية الأكبر في الولايات المتحدة، في منطقة شمال غرب كندا، وتبعد عن الأراضي الروسية نحو 82 كيلومتراً فقط، بينما تفصلها عن الشمال الأمريكي مسافة تصل إلى 800 كيلومتر. لا تُجاور ألاسكا أي ولاية أمريكية، لكنها تشترك في حدود تمتد 2500 كيلومتر مع كندا، ولها حدود بحرية مع روسيا من الغرب، حيث يفصل بينهما مضيق بيرينغ، والذي يتواجد على بُعد 4 كيلومترات فقط من جزيرتي ديوميد الصغرى والكبرى الروسيتين.

في الشتاء القاسي، تتجمد المياه، مما يجعل الخط الفاصل بين الأراضي الأمريكية والروسية غير مرئي، وتبلغ مساحة ألاسكا أكثر من 1.7 مليون كيلومتر مربع، مما يجعلها تحتل المرتبة الأولى في المساحة، بينما يبلغ عدد سكانها نحو 733 ألف نسمة، مما يضعها في المرتبة التاسعة والأربعين من حيث الكثافة السكانية.

سيطرة روسية

تشير بيانات دائرة المعارف البريطانية إلى أن البشر عاشوا في ألاسكا منذ 10 آلاف سنة قبل الميلاد، حيث كان هناك جسر بري يربط بين سيبيريا وشرق ألاسكا، مما سمح للمهاجرين بعبور هذا الجسر بحثاً عن الطعام. ومن بين هؤلاء المهاجرين، لا يزال الأثاباسكان والأليوت والإنويت ويوبيك وتلينغيت وهايدا يعيشون في ألاسكا.

في أوائل القرن الثامن عشر، أشار السكان الأصليون في سيبيريا إلى وجود أرض كبيرة تقع شرقاً، وفي عام 1728، اكتشفت بعثة استكشافية بقيادة الملّاح الدنماركي فيتوس بيرنغ أن هذه الأرض ليست مرتبطة بالبر الروسي، لكن البعثة واجهت صعوبات بسبب الضباب.

في رحلة بيرنغ الثانية عام 1741، تم اكتشاف قمة جبل سانت إلياس، وتمكن الروس من إنشاء مستوطنة أوروبية عام 1784 في خليج ثري سينتس، مما فتح الأبواب لتجارة الفراء الغنية بين أوروبا وآسيا وساحل المحيط الهادئ في أمريكا الشمالية.

حرب القرم.. وصفقة أمريكية تاريخية

أدى الانقراض الوشيك لثعالب البحر والأثر السياسي لحرب القرم (1853-1856) إلى استعداد روسيا لبيع ألاسكا للولايات المتحدة، حيث قاد وزير الخارجية الأمريكي ويليام سيوارد عملية الشراء، وتفاوض على معاهدة مع الروس.

رغم المعارضة، وافق الكونغرس الأمريكي على عرض سيوارد البالغ 7.2 مليون دولار في 30 مارس/آذار 1867، وتمت الموافقة النهائية من مجلس الشيوخ في 9 أبريل/نيسان، ليُوقع الرئيس الأمريكي أندرو جونسون على الصفقة في 28 مايو/أيار، وبذلك انتقلت ألاسكا رسمياً إلى الولايات المتحدة في 18 أكتوبر/تشرين الأول 1867، منهيةً الوجود الروسي في أمريكا الشمالية.

بوابة الذهب

في البداية، أطلق الأمريكيون على صفقة شراء ألاسكا اسم “حماقة سيوارد” بسبب الشكوك حول جدوى هذه المنطقة، لكن اكتشاف كميات كبيرة من الذهب في يوكون عام 1884 غيّر تلك النظرة، حيث أصبحت ألاسكا بوابة حقول الذهب في منطقة كلوندايك، مما جذب الأنظار نحو مواردها الطبيعية.

تُعتبر ألاسكا اليوم واحدة من الولايات التي تضم أعلى تركيز للمليونيرات في الولايات المتحدة، حيث تسجل أعلى تكاليف للمعيشة، مما يجعل سكانها ينفقون أكثر على الضروريات مقارنة ببقية الولايات، إذ يبلغ متوسط الإنفاق للفرد 13171 دولاراً سنوياً.

موارد طبيعية ثمينة.. وطفرة اقتصادية

بين عامي 1920 و1940، كانت ألاسكا محل اهتمام محدود من الإدارة الأمريكية، حيث وضعت خططاً للحفاظ على مواردها الطبيعية، واهتمت بالرعاية الطبية للسكان، مما ساعد على تطوير البنية التحتية. وفي عام 1941، زادت الأهمية العسكرية لألاسكا بعد إنشاء طريق ألاسكا السريع الذي يربطها بمجموعة من المطارات.

شهدت ألاسكا طفرة اقتصادية في عام 1968 مع اكتشاف النفط في ساحل القطب الشمالي، حيث قدرت الاحتياطيات بحوالي 13 مليار برميل في حقل خليج برودو، وأصبح النفط والغاز المكون الرئيسي لاقتصاد الولاية، حيث تغطي عائدات النفط نحو 85% من ميزانية الولاية.

بدأت عائدات النفط تظهر على سكان ألاسكا تدريجياً، حيث تم إنشاء صندوق ألاسكا الدائم الذي يوزع أرباح الولاية على السكان، وصُرفت أول دفعة بقيمة 1000 دولار أمريكي لكل مواطن عام 1982.

تحتوي ألاسكا على نصف احتياطيات الفحم في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أكبر مناجم الفضة والزنك، مما يجعلها وجهة جذابة للعمال والمستثمرين.

مقصد سياحي ثري.. ورفاهية معيشية

السياحة تعد أيضاً من المصادر الاقتصادية الهامة في ألاسكا، حيث تجذب أكثر من 1.1 مليون زائر سنوياً، مما يعزز من رفاهية السكان.

تُعتبر سواحل ألاسكا من أفضل مصادر المأكولات البحرية، حيث تصل غنيمة الصيد من المأكولات البحرية إلى 6 مليارات رطل، مع تصدر سمك السلمون القائمة.

نظم بيئية حيوية

تضم ألاسكا غابات تصل مساحتها إلى 28 مليون فدان، وتعتبر مصدراً مهماً لصناعة الأخشاب، بالإضافة إلى 15 مليون فدان من الأراضي الزراعية، وتعيش فيها 19 نوعاً من الحيوانات ذات الفراء الثمين.

تحتوي ألاسكا على نحو 100 ألف نهر جليدي تغطي 5% من مساحتها، بالإضافة إلى أكثر من 3 آلاف نهر والعديد من البحيرات، مثل بحيرة إيليامنا، التي تُعتبر الأكبر بمساحة 1000 ميل مربع، كما تُعد بحيرة هود في أنكوراج أكبر قاعدة للطائرات المائية في العالم.

تتواجد 17 من بين أعلى 20 قمة جبلية في الولايات المتحدة في ألاسكا، بالإضافة إلى أكثر من 100 بركان، مما يجعلها منطقة غنية بالتنوع البيئي.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *