مستشار فرنسي يكشف كيف تؤثر موجات الحر على الاقتصاد الجديد في “العين الإخبارية”

لم تعد الموجات الحارة مجرد حدث عابر، بل أصبحت واقعًا اقتصاديًا يتطلب التعامل معه بجدية في التخطيط السياسي والاقتصادي، كما يشير جان بيساني-فِري، الرئيس المؤسس لمعهد “بروغيل” والمستشار السابق لوزير المالية الفرنسي.

أوضح جان بيساني-فِري، الذي يمتلك خبرة كبيرة في هذا المجال كونه باحثًا غير مقيم في معهد “بيترسون”، أن الأضرار الناتجة عن الموجات الحارة تشمل تراجع الإنتاجية وتدهور الاستهلاك، بالإضافة إلى خسائر في قطاع السياحة، وصولًا إلى كلفة بشرية تتمثل في ارتفاع معدلات الوفيات.

كما أضاف الخبير في حوار خاص مع “العين الإخبارية” أن ارتفاع درجات الحرارة لفترات طويلة يؤثر سلبًا على أداء العمال، وخاصة في قطاعات حساسة مثل البناء والزراعة، مما يؤدي إلى إعادة جدولة ساعات العمل أو تقليصها، وهذا ينعكس مباشرة على الناتج المحلي الإجمالي.

وفي الوقت الحالي، ورغم رفع حالة التأهب الأحمر في بعض المناطق، لا تزال ثلاثة أرباع فرنسا تحت التأهب البرتقالي مع استمرار درجات الحرارة المرتفعة، ووفقًا لدراسة أجرتها شركة أليانز تريد ونُشرت في 1 يوليو/تموز، فإن يومًا واحدًا بدرجة حرارة تفوق 32% يعادل نصف يوم إضراب من حيث الأثر الاقتصادي.

إليكم نص الحوار:

ما هو تأثير موجات الحر على الاقتصاد (الإنتاج، الاستهلاك، والسياحة)؟

بالتأكيد، أصبحت موجات الحر جزءًا لا يتجزأ من الواقع الاقتصادي المناخي الجديد، حيث تشير الدراسات إلى أن الحرارة المرتفعة لفترات طويلة تقلل من إنتاجية العمل، خاصة في القطاعات الحساسة مثل البناء والزراعة، فالعاملون في بيئة حارة يميلون إلى تباطؤ الأداء، مما يؤثر سلبًا على الناتج الاقتصادي، وبيانات واقعية تشير إلى أن انخفاض الإنتاجية في فرنسا وحدها يُقدّر بخسارة تقارب 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل نحو 9 مليارات يورو.

ماذا عن الاستهلاك والسياحة؟ هل تتضرران أيضًا؟

نعم، الاستهلاك يتأثر بشكل كبير، خاصة أن الناس تقلل من تحركاتها وتتجنب الأنشطة الخارجية، مما يؤثر سلبًا على قطاعات مثل البيع بالتجزئة والترفيه، والسياحة أيضًا حساسة للطقس، حيث يمكن أن تدفع ارتفاعات درجات الحرارة السياح لتقليص أيام عطلاتهم أو تجنب الوجهات التي تشهد حرارة شديدة، مما يضع ضغوطًا على المناطق السياحية المعتمدة على الصيف، وتشير دراسات بيئية واقتصادية إلى أن “الأيام شديدة الحرارة” قد تؤدي إلى تعديل السياح لخططهم، مما ينعكس سلبًا على عوائد المدن والمناطق السياحية.

كما أن موجات الحر الأخيرة قد تؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا بنحو 0.5%، مع تفاوت الأثر بين الدول، حيث يتراوح من 0.1% لألمانيا إلى 1.4% لإسبانيا، بينما تُقدّر الخسارة في فرنسا بـ 0.3%، أي ما يعادل 9 مليارات يورو.

وتتوقع منظمة العمل الدولية أن يؤدي الإجهاد الحراري إلى خفض عدد ساعات العمل المحتملة عالميًا بنسبة 2.2%، وهو ما يعادل نحو 80 مليون وظيفة بدوام كامل.

أما القطاعات الأكثر تأثرًا فتشمل البناء والزراعة، إذ تؤدي الجفاف وموجات الحر إلى تراجع المحاصيل، مثل انخفاض إنتاج الذرة غير المروية في فرنسا عام 2022 بنسبة 13%، مع تفاوت إقليمي كبير، كما قد تتوقف بعض المحطات النووية عن العمل بسبب حرارة الأنهار أو غزو قناديل البحر.

هل تشكل موجات الحر واقعًا اقتصاديًا جديدًا؟

نعم، يمكن اعتبار موجات الحر كعامل اقتصادي جديد لا يجب تجاهله في التخطيط السياسي والاقتصادي، ولكن هناك فرصة للتحول الإيجابي من خلال الاستعداد والتكيف، مثل تنظيم ساعات العمل، وتحفيز العمل عن بُعد خلال أوقات الذروة، وتحسين البنية التحتية الحضرية بتبريد طبيعي وزيادة المساحات الخضراء، هذه الإجراءات يمكن أن تخفف من تأثير الموجات الحارة وتعزز الأداء الاقتصادي.

علاوة على ذلك، قُدّرت خسارة الرفاهية وحدها بنحو 6 مليارات يورو، لكن هذه الأرقام لا تشمل كل الآثار الممتدة، مثل تأثيرها على مرضى الأمراض المزمنة، والصحة النفسية، وصحة الأمهات وحديثي الولادة، فضلًا عن الأثر على شركات التأمين، أو على التنوع البيئي المتضرر من الجفاف والحرائق وموجات الحر البحرية.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *