احتفاءً بذكرى ميلاد هدى سلطان، قصة «فاطمة تعلبة» التي تجسدت في حياتها بعد فقدان «ضناها» ورحيلها المفاجئ!

على مدار مسيرتها الفنية، تألقت الفنانة الراحلة هدى سلطان في تجسيد دور الأم في العديد من الأعمال الفنية، حيث كانت تقدم هذه الأدوار بدقة وبراعة لافتة، لكن تبقى شخصية «فاطمة تعلبة» التي قدمتها في مسلسل «الوتد» الذي عُرض للمرة الأولى عام 1996 هي الأهم والأبرز في مسيرتها، فقدمت نموذجًا للأم القوية ذات الشخصية المسيطرة التي تقود عائلة من الرجال بحزم، وتدير شؤونهم بكل دقة، دون أن تتخلى عن حنانها واهتمامها الكبير بأبنائها، حيث كانت تحرص على خدمتهم بكل تفانٍ، وتسعى دومًا للحفاظ على تماسكهم وترابطهم كأسرة واحدة.

لم تكن هدى سلطان هي الخيار الأول لتجسيد شخصية «فاطمة تعلبة» في مسلسل «الوتد»، إذ عُرض الدور في البداية على الفنانة سميحة أيوب، لكنها فوجئت قبل أن تحسم قرارها بالموافقة بأن هدى قد بدأت بالفعل في تصوير مشاهد الشخصية، لتصبح بذلك صاحبة الدور الذي ارتبط باسمها وأصبح علامة فارقة في مسيرتها الفنية.

تدور أحداث مسلسل «الوتد» حول عائلة فاطمة تعلبة، وهي أم قوية ومهيمنة تكرس حياتها لتربية أبنائها وفق رؤيتها الخاصة، بهدف تأسيس عائلة مترابطة وقوية، تسعى فاطمة لتعزيز مكانة العائلة من خلال شراء الأراضي الزراعية لتأمين مستقبل أبنائها، وجعلهم من أصحاب الأملاك، أكبر أبنائها هو الحاج درويش الذي قدم دوره الفنان يوسف شعبان، وهو رجل ذو مكانة رفيعة في القرية ويحظى باحترام الجميع، تفرض فاطمة تعلبة سيطرتها الكاملة على شؤون العائلة، فلا يُتخذ قرار دون موافقتها، حتى في ما يتعلق بزواج أبنائها، حيث تختار لهم زوجاتهم وتزوّجهم دون الرجوع إليهم، كما تمتد هيمنتها إلى حياتهم الزوجية، فتتحكم في زوجات أبنائها وإدارة شؤون المنزل بأكمله، مما يجعلها الشخصية المحورية التي تدور حولها تفاصيل المسلسل.

كانت الراحلة هدى سلطان تعيش شخصية فاطمة تعلبة بكل تفاصيلها، ليس فقط أمام الكاميرا، بل أيضًا في كواليس التصوير، حيث تعاملت مع زملائها من الفنانين الذين جسدوا أدوار أبنائها على أنهم أبناؤها الحقيقيون، وسعت بكل جهد إلى خلق جو أسرى داخل الاستوديو يعكس روح العائلة الحقيقية، وقد صرحت في حوار سابق مع مجلة «الكواكب» قائلة: «لولا الصدق والترابط بين فاطمة تعلبة وسبعة أولاد رجال وبنتين وزوجاتهم، لما انعكس هذا الحب على الشاشة، لم أكن أشعر بأنني أقول كلامًا مكتوبًا، بل كانت مشاعر حقيقية وأحاسيس نابعة من داخلي، وكنت حريصة على التحدث باللهجة الفلاحى حتى داخل بيتي، لدرجة أن حفيدتي نبيلة، والتي كانت تدرس في مدرسة أجنبية، كانت تندهش من لهجتي، وكنت أقول لها إن هذه لغة أجدادنا من الفلاحين».

وفي حوار آخر أجرته مع «المصور» عام 1998، كشفت هدى سلطان عن مدى ارتباطها بالشخصية، موضحة أنها لم تستخدم أي مساحيق تجميل أثناء التصوير، مكتفية بارتداء الجلابية والطرحة الفلاحى لتكون قريبة من روح الشخصية، وأضافت أنها كانت ترفض مغادرة البلاتوه لشدة حبها للدور، حتى إنها بكت عندما شاهدت مشهد وفاة الشخصية على الشاشة.

ويبدو أن لعنة فاطمة تعلبة طالت الفنانة هدى سلطان حتى خارج حدود الشاشة، ففي أحداث المسلسل، تصاب فاطمة تعلبة بمرض الكوليرا الذي اجتاح القرية، وتدخل في مرحلة صعبة من الألم والمعاناة، ترتدي السواد وتتهيأ لاستقبال ملك الموت، لم يتحمل نجلها الأكبر، الحاج درويش، الذي كان يمثل عماد البيت وسنده، رؤية والدته في هذا الضعف، اعتزل درويش الناس، لم يعد «كبير الدار» كما اعتادت العائلة، بل أصبح رجلًا منكسرًا تغلبه الأحزان، ينهار بصمت أمام آلام والدته، وعندما بدأت فاطمة تعلبة تتعافى تدريجيًا، أسرعت زوجته (فادية عبدالغني) لتزف إليه خبر شفائها، لتجده فارق الحياة حزنًا على والدته، وتتعالى صرخاتها: «الحاج درويش مات!»، ولحقت فاطمة تعلبة بنجلها الأكبر حزنًا عليه، وعلى الرغم من أنها قويت على المرض إلا أنها لم تقو على رحيل نجلها وكبير العائلة الحاج درويش.

في الحقيقة، تجسد مشهد النهاية الحزين في مسلسل «الوتد» واقع حياة الفنانة هدى سلطان، حيث رحلت في 5 يونيو عام 2006، بعد معاناة استمرت 5 سنوات مع مرض سرطان الرئة، وقد أخفته عن أسرتها.

لكن المفارقة المؤلمة أنها رحلت بعد وفاة ابنتها «مها» بخمسين يومًا تقريبًا، وقد أكدت رانيا فريد شوقى، في تصريحات لـ «بوابة مولانا»، أنه كان لرحيل ابنتها مها وقع شديد عليها، حتى إنها لحقت بها بعد وفاتها بشهرين فقط، وكأن الحياة قررت أن تُعيد مشهد فاطمة تعلبة التي فقدت ابنها ثم لحقت به من شدة الحزن، ولكن هذه المرة في الواقع وليس على الشاشة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *